د.رفعة بنت موافق الدوسري
يعد الأسلوب قالبًا شكليًّا حاملاً، لا تقتصر حجاجيته على مضامينه وهياكله الداخلية، بل قد يأتي الحجاج عبر تفعيل الأسلوب أداة إقناعية مفرغة، يستثمر فيها المخاطِب إمكاناته وأدوات اللغة لإثارة وجدان المخاطَب وانفعالاته، وإن لم يتضمن الخطاب حجاجًا عقليًّا ناجعًا، فيصبح نمطًا صناعيًّا مقصديًّا دالًا، حتى في أكثر أشكاله المغرقة في الفراغ، والباعثة على استنطاق الوجدان.
وبما أن مظاهر الأسلوب قد تكون من السمات القارة في لغة أي خطاب، فكيف يمكننا إطلاق حكم معياري بحجاجية خطاب انطلاقًا من مظاهر أسلوبه؟
إن النظر إلى الأسلوب بوصفه تقانة حجاجية ينطلق من حاجة الخطاب إلى بلاغة العبارة؛ إذ تمثل الصدارة في البلاغة العربية ، فضلًا عن دورها في تكوين الخطاب الحجاجي، فالظفر بالحجج "بإيجادها وإنتاجها لا يكفي، بل لابد كذلك من إجادة العبارة عنها وتحسينها وتقديمها كما يجب أن تعرض، فتكتسب حلة بديعة بعيداً عن كل تكلف وتصنع، وهكذا لم يعد الأسلوب يستعمل للإمتاع فقط، وإنما أصبح يتوسل به للتأثير والإقناع"، فالأسلوب "يضطلع بالحجاج، كما أن الحجة تتسم بمجموعة من الخصائص التي تقربها من الأسلوب، وهذا التلازم بين الحجاج والأسلوب هو الذي يشكل جوهر البلاغة الحديثة" .
وبشيء من التحفظ سنحاول تجاوز المقولة التي تنطلق منها بعض القراءات الحجاجية الرامية إلى استنطاق بلاغة الأسلوب، وتنص على أن اكتساب الأسلوب أهميته في الدراسات الحجاجية يعود إلى أن الناس يتأثرون بمشاعرهم أكثر مما يتأثرون بعقولهم، ولعل هذا قد يصدق على البلاغة في الخطابة القديمة، وكذلك على أنماط مخصوصة للخطاب، وفي مقامات محددة في بعض أنماط الخطب السياسية، نحو الخطابة السياسية التي تستثمر المناسبات الدينية، والخطاب السياسي الذي يعالج قضايا عربية ويلقى في الاجتماعات الداخلية التي يعقدها القادة العرب، أما الخطب السياسية التي تلقى على منابر عالمية، وتناقش الشأن الإقليمي والدولي والعالمي، فتضمن فضاء من التعدد والاختلاف والتباين، يكون الأسلوب في الخطاب السياسي العالمي هذا أداة حجاجية تؤثر في المخاطَب، وتسهم في نجاعة عناصر الحجاج.
والأسلوب ضمن هذا الإطار لم يعد أداة للإثارة الوجدانية والاستمالة العاطفية، "وإنما أصبح يتوسل به لصياغة التجارب والكشف عنها، وللتأثير والإقناع. وفي التقاء هذين الملمحين تتحدد خصائص هذه الأساليب ووظائفها في الوقت نفسه. فهي من جهة تكون أفضل أداة للتعبير عن شخصية المخاطِب ونمط تفكيره ورؤيته للعالم، باعتبار الأسلوب هو التفرد والتميز والخصوصية كما يرى الأسلوبيون"، ولعل هذا من الأسباب التي أدت إلى ظهور المقاربات الظرفية للأساليب، إذ طفق النقاد والبلاغيون العرب إلى معالجة عدد من الأساليب معالجة تتناسب مع ظروفهم المختلفة، التاريخي منها والحضاري.