الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حرّم الإسلام التعدي على الناس قولاً وعملاً، وهضم حقوقهم في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وفي هذا الزمن وجد من يفرح إذا أخذ أو ظفر بحق أخيه، واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة، وأكل حقوق الناس يحمل أوجهاً متعددة فالبعض يحرم موظفيه من حقوقهم المشروعة كالترقيات ومنع الحوافز عنهم وإعطائها لغيرهم، والبعض الآخر يحرم حقوقهم المالية في البيع والشراء، وفي الإرث وغيره.
«الجزيرة» التقت عدداً من المحامين والمستشارين الشرعيين والقانونيين، لرصد رؤاهم في الآلية المناسبة لتوعية المجتمع بمخاطر مثل تلك السلوكيات المحرمة لتنشئة جيل يدرك عواقب ومخاطر هذه التصرفات الظالمة المشينة؛ فماذا قالوا؟
المماطلة في أداء الحق
بداية يؤكد المحامي الدكتور علي بن عبدالله البريدي أن الإسلام أرسى قواعد الحق والعدالة والمسلم الحق يتجنب ظلم غيره طاعة لأمر لله واتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت».
ومن المعلوم أن لا سعادة للإنسان إلا بالأمن بينما الظلم والتعدي على الآخرين من أقوى خوارم الأمن أكل مال الناس بالباطل وأنواع الحيل يهز الأمن الاقتصادي، والتعدي على الناس بالقذف والإساءة يهز الأمن الاجتماعي، والتعدي عليهم بالضرب وما هو أعلى من ذلك يهز الأمن الجسدي، والتعدي على الناس بنشر الآراء الهدامة يهز الأمن الفكري، وهذا كله ينعكس على المعتدي نفسه فلا يمكن للإنسان أن يأمن وغيره بخلاف ذلك.
ويضيف الدكتور علي البريدي قائلاً: إن قيام الحياة على ميزان العدل واختلال الميزان يؤدي لفساد المعيشة لذلك الدول العادلة هي أكثر الدول رخاء لكفاءة الدورة الاقتصادية فيها حيث يتم التعامل بالائتمان وتنشط الحركة ولا يحتاج المتعاملون لكثير من الإجراءات الاحترازية لشيوع احترام الحقوق، كما أن مجرد المماطلة في أداء الحق لها آثار مدمرة على الأفراد والمجتمعات لأنها توقف عجلة السيولة في المجتمع، ويوضح ذلك قصة مشهورة عن 100 دولار وضعها سائح على طاولة صاحب فندق على الحساب إلى حين أن يفحص مدى مناسبة الغرفة لرغبته، وتمضي القصة أن صاحب الفندق أرسل الـ100 دولار لصاحب المتجر الذي يزوده باحتياجاته وصاحب المتجر أرسل الـ100 دولار إلى سائق الشاحنة الذي يجلب له بضاعته وسائق الشاحنة دفع المائة دولار لصاحب الفندق أجرة إقامته وعندما نزل السائح، وأبلغ صاحب الفندق أنه لا يرغب في الغرفة فعادت له المائة دولار بعد أن حركت العديد من التعاملات فتخيلوا لو أن كل من المتعاملين ماطل كم تكون التكلفة لاشك أنها تفوق المبلغ ذاته بأضعاف وتعطل مصالح الناس.
طلب التوثيق
ويوضح المحامي والمستشار القانوني الأستاذ ثامر بن محمد السكاكر، قائلاً: كلنا تبادلنا النقاش مع أشخاص يشكون من ظلم وقع عليهم وبذكرهم للتفاصيل نجد أن العنوان الأبرز للقصة الجرأة في أكل أموال الآخرين بالباطل، بل أننا قد نسمع أحياناً قصصاً يتفاخر أصحابها بدهائهم وذكائهم في منع أحدهم من الحصول على حقه وطبعاً يكون التبرير المعتاد «وش ذنبي إذا هو ضيع حقه».
جربوا أن تسألوا محامين عن قصص ضياع الحقوق بسبب التفريط وستجد أن الثقة أو الخجل تسببت بضياع الحقوق، ونحن هنا لا نقول يجب ألا نثق بل نقول ما الضرر أن تجتمع الثقة مع التوثيق؟ لكن ماذا لو توفي من تثق به وبينك وبينه اتفاق شفهي ثم أتى الورثة وأنكروا الاتفاق ولا بينة لديك، فماذا سيحدث هنا أن مطالبتك ستكون معقدة جداً في هذه الظروف، أيضاً نحن أنفسنا لماذا لا نثبت حقوق الناس دون أن يطلبوا هم ذلك لتبرأ ذمتنا أمام الله عز وجل، وفي كل تعامل كن أنت المبادر بطلب التوثيق وستجد أن الطرف الآخر لديه ذات الرغبة ولكن خجل أن يقول ذلك، ستحمي نفسك ويحمي نفسه وتطول العلاقات وتبرأ الذمم.
الظلم ظلمات
يقول الأستاذ خالد بن محمد المشيقح المحامي والمستشار القانوني: لقد حرم الله عز وجل الظلم بكافة أنواعه وأشكاله لما له من آثار وخيمة ومصائب عظيمة يترتب عليها نتائج سلبية وعقوبات تصيب الظالم في حياته وبعد مماته، حيث جاء في الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (الظلم ظلمات يوم القيامة) صحيح البخاري.
ومن صور الظلم: التعدي على حقوق العباد وأكل أموالهم بالباطل دونما رادع أو وازع ديني؛ فبعض الناس قد ابتلي باستمراء الخصومات فتجده قد أفنى عمره بأروقة المحاكم ومارس أبشع أساليب الغش والتدليس والخداع واغتصب بذلك حقوق العباد، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
ويقول خير الخلق وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ) الراوي/ عائشة أم المؤمنين المحدث/ البخاري.
ولعل من أهم أسباب الظلم وأكل حقوق العباد:
1 - ضعف الوازع الديني عند هذا الصنف من الناس.
2- إهمال النشء وسوء التربية منذ الصغر وعدم وجود القدوة الحسنة؛ فمن شب على شيء شاب عليه.
3 - الفصل هذه الفئة بين العبادات والمعاملات، كالمريض بانفصام الشخصية فقد يكون الظالم والمغتصب للحقوق مؤديا للعبادات جميعها دونما تقصير أو تراخٍ، بينما تعاملاته من بيع أو شراء فتجده مخادعا وغشاشا ومدلسا، ولم يعلم هذا المسكين أن الدين المعاملة.
وتأسيساً على ما سبق فإنه لابد من علاج هذه الظاهرة ومنع هؤلاء الظلمة من ظلمهم وهذا مرده الى أمور منها:
1 - ردع وزجر الظالم عن ظلمه بكل الأساليب المشروعة كتخويفه بالله من مغبة الظلم وأكل أموال الناس بالباطل لأنه يؤدي الى التهلكة والخسران في الدنيا والعقوبة المستحقة في الآخرة.
2 - اهتمام الأسرة بالنشء في سن مبكرة بأمور دينهم وتحذيرهم من عاقبة الظلم ونتائجه المهلكة والعقوبة المترتبة عليه.
3 - تكاتف المجتمع بأسره في علاج الظلم والتعدي على حقوق العباد فدور المدرسة والمسجد والدعاة والقضاة والمصلحين كفيل بأن يؤثر تأثيراً إيجابياً حيال معالجة هذا الداء.
نسأل الله جلت قدرته أن يصلح لنا أمور ديننا ودنيانا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
فساد كبير
ويؤكد الدكتور عبدالعزيز بن شلوه الشاماني المحامي والمستشار القانوني أن أكل أموال الناس بالباطل داء عضال، خطرُه عظيم، وفساده كبير، على الفرد والمجتمع، وما وقع فيه امرؤ إلا ومُحِقت منه البركة، في صحته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنَّس به أحد إلا وحُجبت دعوته، وذهبت مروءته، وفسدت أخلاقه، ونُزع حياؤه، وساء منْبَته، وخسرَ دنياه وأخراه، موضحاً أن أكل أموال الناس بالباطل؛ هو ما يأخذه الإنسان ويستولي عليه من أموال الناس من غير وجه حق، إما سرقة أو نهباً أو غصباً، أو ظلماً وعدواناً، أو غشاً واحتيالاً، أو خيانة أمانة، أو اختلاساً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)، وفي الحديث «...كل المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرْضُه».
ويبين د.الشاماني جانباً من صور أكل أموال الناس بالباطل: الغصْبُ والسرقة والرشوة والغش في البيع والشراء؛ ومن ذلك التطفيفُ في الكيل والميزان، ومن ذلك كتمُ عيوب السلعة وإخفاؤها عند بيعها.
كما أن أكل مال اليتيم وأكل مال الأجير والمستخدَم صورة من صور أكل الأموال بالباطل ومن ذلك عدم الوفاء بالدين وسؤال الناس من غير حاجة كل ما تقدم حذر منه الشارع الحكيم، ووردت فيه النصوص القرآنية محذرة أو متوعدة، كما وردت فيها الأحاديث المرتبة وعيداً أولعناً لمن أقترف أو أقدم على نوع من صور أكل أموال الناس بالباطل، كما سنت التشريعات والنظم الجنائية عقوبات رادعه لمن يقترف أياً من الصور السابقة أو غيرها ورتب المنطم جزاءات قاسية وزاجرة كما في نُظم الاحتيال المالي، أو الرشوة، أو حقوق كبار السن إلخ من الأنظمة الجزائية.