تأليف: معالي العالم الأديب الشيخ الدكتور (البازي): محمد بن سعد الشويعر - عليه رحمة الله وعفوه-
حرص الملك الأشم المظفر عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود - قدس الله روحه - ونضر ضريحه وأسكنه أوسع جنانه - على نشر العقيدة السلفية الصحيحة، وبث العلم الشرعي، وغرس الخلق الإسلامي الرصين في نفوس الناس، وجعل شعار هذه الدولة الفتية التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كلماته الجوامع في إحدى خطبه قوله: (إن اعتصامي بالله وسيري على الطريقة المحمدية، واقتدائي بعلماء المسلمين يدعوني - إن شاء الله تعالى - إلى دعوة لكلمة التوحيد، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل).
نفس عصام سوّدت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وصيرته بطلاً هُماما
حتى علا وجاوز الأقواما
سخر - رحمه الله تعالى - جهوده لنصرة الدعوة الإسلامية السلفية، وكانت أعماله خير شاهد على هذا القول، فقد نصر دعوة الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب - عليهما رحمة الله وغفرانه - يقول الأستاذ أمين الريحاني ما نصه: (نشر ابن سعود إصلاحه الكبير بالوسائل الدينية فكان يرسل المطاوعة إلى البادية ليعلموا أهلها دين التوحيد والفرائض ويزينوا لهم هجر ما هم فيه إلى ما دعاهم إليه من إيمان يستشعرونه).
وقد أثمرت جهود الملك عبدالعزيز - يتبعه عفو الرحمن - في إرسال الدعاة والعلماء وطلاب الفقه والحديث والشريعة والحق للمدن والقرى والهجر والبوادي، فأتت ثمارها اليانعة، وأزهرت جهودها النافعة في نشر العلم والدعوة إلى الخير والصلاح والإصلاح وعقيدة السلف الصالح، كما بنى المساجد، وفتح المدارس وأنشأ المعاهد، وشيد الطرق، وعبد المسالك لنبذ الفرقة والتنازع، والتنديد بوحدة الصف، وجمع الكلمة، فسمت بذلك الهمم، وأثرت الإرادات وبين يديّ كتاب عنوانه دال على مضمونه، وغلافه مفصح عن مكنونه، وفيه استقصاء متين، استيفاء مبين لجهود الملك عبدالعزيز - صقر الجزيرة العربية - في نصرة أعلام وعلماء نجد ممن آمن بدعوة السلف، ونصر مذهب أهل السنة، ومعتقد الجماعة، هذا العنوان هو: (عالمية الدعوة السلفية ودور الملك عبدالعزيز فيها)، ومؤلفه: صاحب الفضل والفضيلة معالي الشيخ الأديب الدكتور - محمد بن سعد الشويعر - أسكنه الله فسيح جناته - وهو يحكي لنا عن عالمية الدعوة السلفية، والرسالة المحمدية، والدور الذي قام به أسد الجزيرة جلالة الملك المعظم عبدالعزيز آل سعود - طيب الله أثره وثراه - تجاهها، والكتاب من آخر إصدارات الشيخ الشويعر - رحمه الله - فمعاليه عُنى عناية فائقة بدور الملك عبدالعزيز في الاهتمام بالدعوة السلفية حيث بث من أجلها، ونشر في سبيلها كتباً عديدة، ومؤلفات جمة.
والكتاب يحكي لنا تلك المهمة الجسيمة التي حملها الملك عبدالعزيز على عاتقه، وفرضها على نفسه وجعلها ديدن رسالته، والشيخ الدكتور محمد بن سعد الشويعر يقف جنباً إلى جنب مع أولئك العلماء، وتلك الشذرات الذهبية المصقولة من رواد الفكر، وأعلام الزمان، الذين عنوا كل العناية بدور الملك عبدالعزيز في خدمة الدعوة السلفية فآثروها ببحوث وألفوا في مضمارها الكتب، وخصوها بأحاديث علمية أو صحفية، وقد عرف عن الشيخ محمد الشويعر حب الدعوة السلفية ونصرة علمائها، والجهاد في سبيلها باليد واللسان والقلب، وجند قلمه السيال للحديث عن سماتها، والتنديد برجالها، ومن نافلة القول، والقول بالقول يذكر الإشارة إلى دور الملك عبدالعزيز المتفاني تجاه الدعوة السلفية التوحيدية الخالصة كما أشار إليه الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب حفظه الله في كتابه الحافل: (حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية) يقول - ص72- ما نصه: (ومما يجدر ذكره أن الملك عبدالعزيز لم يكن يقتصر في تشجيع نشر التراث عنده على ما كان يطبعه على حسابه من هذه الكتب، وإنما كان يشتري أعداداً كبيرة من المطبوعات التي تخدم أهداف الدعوة السلفية أو تفيد طلاب العلم في مجال الفقه الحنبلي مما أدى إلى رواج كثير من هذه الكتب وازدياد حركة نشرها)، كما جاء في صحيفة أم القرى في افتتاحية العدد رقم (219) - نقلاً عن كتاب د. الضبيب- ما نصه: (أراد الملك عبدالعزيز أن ينشر الدعوة إلى الدين الخالص في سائر الأمصار، فاستشار العلماء في خير الكتب التي ينبغي نشرها بين الناس ليعمل جهده في توفيرها، فذكرت له الكتب التي تبين حقيقة التوحيد ومنها ما هو مطبوع ومنها ما لم يطبع، فاشترى من المطبوع مئات الكتب والألوف، وما لم يطبع منها أمر بطبعه وتوزيعه).
وعوداً على بدء يندد مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ العالم العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ - حفظه الله - بجهود الشيخ الشويعر قائلاً ما نصه: (إن مما يثلج الصدر ويفرح القلب أن تجد من أبناء وطننا المبارك من يهتم بالدعوة السلفية ورجالها، فيؤلف فيها المؤلفات ويسطر المقالات ولقد كان لمعالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر -رحمه الله - مساهمة في هذا المجال، ومن أحسن ما جمع في هذا كتابه الموسوم بـ(عالمية الدعوة السلفية ودور الملك عبد العزيز فيها، فأجاد وأفاد).
أما المؤلف فلنا معه وقفة مهمة عند ناصية كتابه، فيقول: (أحببت أن أعرض بضاعتي أمام القارئ الكريم، موثقة من مصادرها، واعتبرها امتداداً لكتابي الذي صدر منذ ربع قرن، وموضوعه تجلية للحقيقة عما نُبزت به دعوة الإمامين التي قامت لنصرة دين الله سبحانه ونفض ما ران على الدعوة، وسلامة المنهج بما فيه سعادة للبشر والبعد عن المحدثات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وقوله: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة على المؤلف هو التالي: ما الذي يضم الكتاب بين برديه، ويحوي بين جنبيه، وقد كان المؤلف حارثاً هٌماماً (سريع الفهم لاقط اللحظ حينما أشار في مقدمته إلى مادة كتابه، فقد كان له وقفة وافية تامة، تحوي المحطات التالية:
1- رسالة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب في توضيح ما يدعو إليه ملك المغرب.
2- مناظرة بين الإمام سعود بن عبد العزيز وعلماء المغرب وابن السلطان المغربي، عن حقيقة الدعوة في حج 1225هـ.
3- ما جرى في نهاية الدولة السعودية في أخر أيام الدولة السعودية في دورها الثاني بين الشيخ أحمد بن عيسى وأحد تجار جدة.
4- من كلمة عبد العزيز في الحج عام 1347هـ - 1929م.
5- تعقيب على ندوة في مجلة اليمامة العدد 1034 الصادرة يوم الأربعاء 5-5-1409هـ.
6- دراسة من معالي الفقيه سيدي محمد الحجوي، وزير المعارف بالمغرب الأقصى.
7- مقال للزاهري المدير الإداري بجمعية العلماء الجزائريين برئاسة عبد الحميد ابن باديس العدد الثالث بجريدة الصراط يوم 21 جمادى الثانية عام 1352هـ - 1935م.
8- حوار حجاج سلفيين جزائريين من جماعة العلماء الجزائريين برئاسة عبد الحميد بن باديس: صحيفة الشريعة مقال في العدد الخامس للأستاذ الزاهري بعنوان في مجلس الحجاج.
9- ثناء العلماء والمثقفين على الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية وحركته من جمع وإعداد محمد بن حسن الملا الخفيري.
10- موضوع سبق نشره في مجلة البحوث الإسلامية في الدفاع عن الشيخ سليمان وما لبس على الدعوة بأنه رد على أخيه وتبرئته من ذلك. وعنوان البحث - الشيخ سليمان بن عبد الوهاب المفترى عليه.
هذا وقد استهل الكتاب الخطب بمدخل واف جميل يتحدث عن الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وكيف أنهما تصافحت يداهما في الدرعية عام 1157هـ، واتفقا على تجديد دين الله الحق والتي أوشكت معالمه أن تندرس وما مرت به الجزيرة العربية من البدع والخرافات والتعلق بالقبور والإشراك في المعتقدات والأفعال كالذبح لغير الله وما شاكلة وشابهة ونفائس الكتاب كثيرة جداً ومنها ما أورده مؤلف الكتاب د. الشويعر عن مجلة المنار الجديدة العدد 18 أبريل عام 2002م من كلام د. زكريا سليمان بيومي حول البعد الصليبي العدائي في القضاء على الدولة السعودية الأولى والدعوة السلفية في الجزيرة العربية.
وبعد:
تميز الكتاب بطرح جميل، وزانته هوامش سندسية حريرية فيها الكثير الكثير مما طاب وعذب واستملح، فالموضوع من أعم وأشمل الموضوعات الدينية، وما قام به الفارس الصنديد المظفر جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في نشر الدعوة السلفية والاهتمام بعالميتها وتسخير العدة والعتاد لها أضف إلى ذلك -أيها القارئ الكريم - ما زخر به الكتاب واستجد ونفع من مراجع ومصادر بلغت واحداً وأربعين كتاباً، جاءت عفو الخاطر دون خضوعها للنظام الأبجدي أو الترتيب الهجائي، وأما طرح الكتاب فقد جاء سهلاً ممتنعاً عذباً غدقا، لغته واضحة كل الوضوح، وتخدم شرائح المجتمع، وطبقاته المختلفة من عامة وخاصة الخاصة، وكل الشكر وبالغ الثناء أكيله بإخلاص وتفان للمرحوم - بإذن الله - د. محمد الشويعر على جهده الخلاق، وعطاءه المتجدد فقد خدمت كتبه ومؤلفاته العلم والدين والأدب والتربية والتاريخ وهو كما قيل: في كل وادٍ بنو سعد.
فالكتاب رائق، والعنوان ناطق، وقول معاليه فصيح وجهده صريح، أتحف وأثرى الدعوة السلفية بمؤلف جاء طوع بنانه حكى لنا فيه شيئاً من جلالة الملك عبدالعزيز وأشياء من عبقريته في خدمة دعوة الإمامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود - رحم الله الجميع - فأثري المكتبة العربية محلياً وعالمياً بكتاب جد مفيد، ومصنفٍ جد فريد، فلله دره.
وكان - غفر الله له - قد سخر قلمه، وشحذ فكره، وصقل ثقافته بخدمة المنهج السلفي، ولم يقتصر على الكتب وحدها، بل على العكس، أزهرت أبحاثه، وأينعت مقالاته في صحف ومجلات سواء أكان هذا بين لابتي المملكة العربية السعودية أو فيما خرج عنها وجاوزها.
وهو في مؤلفاته وبها ومن خلالها يوضح الحقيقة، وينفي الشبهة، ويثري القريحة، ويرسم البعيد، ويكيل الحمد لعلماء الدعوة السلفية، وصناديد السنة المحمدية، ولكل أتباعها ومريديها وعشاقها ومن أحبها وبذل في سبيلها الغالي والنفيس.
جلل الله جدثه بالعفو والرحمة والغفران وأسكنه فسيح الفراديس.
**
- قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف - بنت الأعشى-
عنوان التواصل: hanan.alsaif@hotmail.com