فضل بن سعد البوعينين
تحول «مؤتمر التعدين الدولي» الذي يقام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى منصة عالمية لصناعة التعدين، ونجح في اكتساب زخم دولي جعل منه محط أنظار المستثمرين والمهتمين بصناعة التعدين على مستوى العالم. صياغة مستقبل التعدين وربط صانعي السياسات بالمستثمرين وقادة الأعمال، وجمع رواد صناعة الطاقة والمعادن والمسؤولين والخبراء لتطوير القطاع، وتحفيز التدفقات الاستثمارية الأجنبية والمحلية، من أهداف القائمين على المؤتمر الذي يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وإفريقيا. تعزيز صناعة المؤتمرات العالمية في المملكة، وربطها بالقطاعات المستهدفة برؤية 2030 ستسهم في إرساء قاعدة معرفية مهمة لتطوير القطاعات وتحفيزها، وخلق منصة يمكن من خلالها جذب الاستثمارات الأجنبية وعقد الشراكات مع شركاء عالميين يمتلكون الملاءة المالية، والمعرفة، والتكنولوجيا الحديثة.
مؤتمر التعدين الدولي أحد أهم المؤتمرات التي تحتضنها المملكة والمنفذة وفق رؤية عالمية واحترافية عالية، والمرتبطة بأهم القطاعات الاقتصادية الواعدة، التي تمتلك مقومات النجاح، وفي مقدمها توفر الثروات المعدنية كالنحاس والفوسفات والذهب وخام الحديد، إضافة إلى «اليورانيوم» و«التيتانيوم» والعناصر الأرضية النادرة كـ»النيوبيوم» و»التنتالوم» التي تعزز مكانة المملكة في صناعة التعدين، وتكسبها أهمية إستراتيجية عالمية.
وبالرغم من قصر عمر المؤتمر، تمكن في نسخته الثانية، من تحقيق أهدافه الإستثمارية، المعرفية، والإعلامية، وتعزيز التعاون بين الدول الرائدة في قطاع التعدين، وقطاعي المال والأعمال، وخلق شراكات مهمة ستسهم في تطوير القطاع، ومعالجة التحديات، واستشراف المستقبل، وترسيخ مكانته كمنصة دولية رئيسة.
جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق شراكات عالمية قادرة على توطين التقنية وتطوير القطاع من المكاسب المهمة للمؤتمر، ولعلي أشير إلى توقيع 60 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجال صناعة التعدين والمعادن، ومنها الاستكشاف التعديني، والتكنولوجيا، والاتصالات، وتطبيق معايير الاستدامة، والتوطين والتأهيل، والتصنيع في قطاع التعدين، إضافة إلى توقيع الهيئة الملكية للجبيل وينبع لخمس اتفاقيات بمبلغ يزيد عن 43 مليار ريال لإنشاء مشاريع في مدينتي رأس الخير للصناعات التعدينية وينبع الصناعية.
توجيه الاستثمار نحو مدينة ينبع الصناعية أمر لافت، ومهم في الوقت عينه. فمقومات المدينة الصناعية الكبرى تجعلها قادرة على احتضان مزيد من الاستثمارات النوعية، وأحسب أن مؤتمر التعدين والمؤتمرات الأخرى قادرة على تحقيق ذلك الهدف. الأمر عينه ينطبق على مدينة رأس الخير الواعدة. فمن المهم المواءمة بين جذب الاستثمارات النوعية وتوجيهها نحو المناطق والمدن الصناعية المستهدفة وبما يحقق التنمية المتوازنة ويسهم في استثمار المقومات المتاحة لها. إضافة إلى ذلك فالانتقائية في نوعية المشروعات المستهدفة تمكن المملكة من تحقيق التنوع الاقتصادي وفق رؤية إستراتيجية منضبطة ومعززة للنمو.
مشروع المملكة الإستراتيجي لتنويع مصادر الطاقة والتحول التدريجي نحو الطاقة المتجددة من أكثر المشروعات استفادة من تنمية قطاع التعدين، لما تمتلكه المملكة من احتياطي كبير من اليورانيوم. سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أشار في حوار سابق مع صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إلى أن «لدى المملكة أكثر من 5 في المائة من احتياطيات اليورانيوم في العالم، وإذا لم نستخدمها فإن الأمر يشبه عدم استخدام النفط». وأكد اهتمامه باستخدام اليورانيوم السعودي بدلا من شرائه من الخارج، لاستخدامه في مفاعلات الطاقة. وهو في ظني أمر مشروع، وحق من حقوق المملكة الساعية لتطوير قطاع الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية.
سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، أكد في حديثه خلال مؤتمر التعدين، بأن المملكة تسعى لتصنيع الوقود النووي للاستخدام المحلي وتصديره، ويشمل الاستخدام «إنتاج الكعكة الصفراء واليورانيوم منخفض التخصيب وتصنيع الوقود النووي». ولتأكيد التزام المملكة بالقوانين الدولية، ولطمأنة العالم أكد سمو وزير الطاقة بأن المملكة تعتزم استخدام مواردها من اليورانيوم، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية ومعايير دورة إنتاج الوقود النووي، وهو تأكيد مهم لمنع التأويلات الموجهة.
التحول الشامل الذي تشهده المملكة ساهم في التركيز على استثمار ثرواتها المختلفة، لتحقيق هدف التنوع الاقتصادي، واستكمال سلاسل الإنتاج محليا، بدلا من تصدير المواد الخام، وتحقيق جانب مهم من أمنها الإستراتيجي. استثمار اليورانيوم محليا، وإنتاج الوقود النووي، ضمن المستهدفات الرئيسة لتوفير الطاقة النظيفة محلياً وإقليمياً، في الوقت الذي يشكل فيه قطاع التعدين الواعد أهمية بالغة لتحقيق بعض مستهدفات رؤية 2030.