رضا إبراهيم
عملت المملكة العربية السعودية على الاهتمام بقضية المناخ، إلى الدرجة التي اعتبرتها قضية «أمن قومي»، جاء ذلك أثناء رئاسة «الرياض» لقمة دول العشرين عام 2020م، حيث تبع القمة إعلان خاص بالبيئة لضمان مستقبل مستدام يحد من التدهور المناخي والحفاظ على التنوع الحيوي ..إلخ.
ولا شك في أنه منذ عام 2016م والذي أطلقت فيه رؤية 2030م، عملت الرياض على اتخاذ خطوات حثيثة نحو بناء مستقبل أكثر استدامة، ومن ناحية أخرى جمعت مبادرة «السعودية الخضراء» منذ انطلاقها في عام 2021 بين حماية البيئة وتحويل الطاقة وبرامج الاستدامة بالمملكة، لتحقيق أهدافها الشاملة في تعويض وتقليل الانبعاثات الكربونية وزيادة استخدام الطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي.
وعلى هامش مؤتمر قمة المناخ (كوب27) الذي عقد بمدينة شرم الشيخ المصرية في العاشر من نوفمبر عام 2022م، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على أن الرياض ستستضيف أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2023م، كما أشار سموه أيضاً إلى أن السعودية ما زالت عاكفة على إنشاء مركز إقليمي لتطوير خفض الانبعاثات، وأنها ستقوم بإطلاق مركز المعارف للاقتصاد الكربوني بداية عام 2023م.
مضيفاً بقوله «علينا أن نبحث أسباب اختلال أمن الطاقة وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي، وأن المملكة تنتهج نهجاً متوازناً ولها وجود في جميع المنصات العالمية، وكما تهتم بحماية أمن الطاقة ورفاه الاقتصاد العالمي كمورد موثوق للطاقة الأحفورية، فإنها في الوقت نفسه تؤمن بالاستدامة والمستقبل وحماية المناخ، ونحن جزء من العالم، ونحتاج لأن نفكر ونتعاون معاً».
وتأتي تصريحات وزير الطاقة السعودي تزامناً مع تأكيدات انبثقت عن تقرير معهد «باين» للسياسة العامة بجامعة كولورادو للمناجم بالولايات المتحدة، بأن المملكة العربية السعودية يمكنها أن تلعب أهم الأدوار العالمية، فيما يخص توفير المعادن الإستراتيجية اللازمة لتحول الطاقة المتجدد، وذلك بهدف تحقيق المستهدفات المتعلقة بالوصول إلى صافي «انبعاثات صفرية».
كما أوضح التقرير أن الرياض في وضع قوي، يؤهلها كي تصبح لاعباً رئيساً في مجال الطاقة المتجددة، كونها تقع في قلب منطقة ناشئة أكثر ثراءً بالمعادن، وهي منطقة ممتدة من «إفريقيا إلى آسيا الوسطى» وأشار تقرير باين إلى أن انعقاد مؤتمر التعدين الدولي، هو فرصة سانحة جداً لإجراء حوار حول أنسب السُبل التي يمكنها الكشف عن الثروات المعدنية في تلك المنطقة، وألمح التقرير إلى أنه على الرغم من الارتفاع الكبير في الاستثمار بكل أنحاء الشرق الأوسط بمجال (الهيدروكربونات) تخطط الرياض لجذب (32) مليار دولار من الاستثمارات الجديدة بقطاع المعادن، وذلك ضمن سعي الرياض نحو بلورة مكانتها لتصبح لاعباً رئيساً في إنتاج المعادن على المستوى العالمي.
كما دعا التقرير المجتمعات بكل أنحاء العالم إلى تعزيز سلاسل التوريد المعدنية، بدءاً من نقطة استخراج المعادن، حتى تتم معالجتها وتصنيعها وإعادة تدويرها لاحقاً، ما يخلق وظائف جديدة يصعب حصرها، كما أوصى تقرير باين بضرورة أن تأخذ السعودية زمام المبادرة، نحو قيادة ومساعدة المنطقة الناشئة من إفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، على إزالة الكربون وإحداث التطور الاقتصادي المرجو عبر الاستفادة القصوى من معادنها.
وتأتي ثمرة جهود الرياض في السعي الحثيث لإنقاذ المناخ، كنتيجة إيجابية لاهتمام قادة المملكة منذ توحيد البلاد وحتى الآن بحماية البيئة، من خلال تأسيس أجهزة حكومية تهتم بالمناخ وبالشؤون البيئية، حيث تم إنشاء جهاز حماية البيئة بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة للاهتمام بكل ما يحيط ببيئة الإنسان، وكذلك اهتمامها بالمشروعات التي يمكنها التأثير سلباً على المناخ، مثل التلوث وإحداث الضجيج، أو ما ينتج عنها من ملوثات سامة، ومراقبة تصميم المشروعات لضمان تطبيق المعايير المناخية السليمة.
ونتيجة لإنشاء عدة أجهزة حكومية مهتمة بالمناخ أو بأحد جوانبه، فقد دعت الحاجة الملحة بضرورة وجود تنسيق بين تلك الجهات لتنفيذ كل ما يخصه، فأنشأت الرياض لجنتين للتنسيق بين هذه الأجهزة، أولها لجنة تنسيق حماية البيئة بصدور الأمر الملكي رقم (7/ م/ 8903) المؤرخ في الحادي والعشرين من ربيع الآخر عام 1401هـ، كلجنة دائمة للتنسيق بين أعمال الوزارات والأجهزة الحكومية التي يرتبط موضوع حماية البيئة بها، وثانيها اللجنة الوزارية للبيئة باعتبارها لجنة تحضيرية للجنة الوزارية للبيئة بموجب الأمر الملكي الصادر برقم (5/ ب/ 5635) في الرابع عشر من ربيع الآخر عام 1410هـ، وحددت مهامها بإعداد وجهة نظر المملكة وموقفها من القضايا المناخية على المستويين الدولي والإقليمي، ووضع الاستراتيجيات والسياسات البيئية على المستوى الوطني، وتنسيق ومتابعة النشاطات البيئية في المملكة.
وترجع اهتمامات الرياض بالقضايا البيئية إلى زمن بعيد، عندما صدر الأمر الملكي رقم (أ/ 90) والمؤرخ في السابع والعشرين من شعبان 1412هـ والذي اشتمل على (83) مادة، حيث نصت المادة (31) منه على ضرورة اعتناء الدولة بالصحة العامة، وتوفير الرعاية الصحية لكل مواطن، بينما نصت المادة (32) من النظام الأساسي على أن تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها، ومع مرور السنوات بدأت خطط التنمية في المملكة تعمل على معالجة مشكلات البيئة التي بدأت تطفو إلى السطح، نتيجة التنمية الشاملة بكل المجالات خلال العقود الأنفة.
فمع بدء خطة التنمية الشاملة (1410 - 1415هـ) باتت معالجة مشكلات البيئية تمثل هاجساً كبيراً بالنسبة إلى المخططين وَصُنَّاع السياسة بالمملكة، وقد ورد في الخطة صراحةً أن التوسع الاقتصادي السريع في المملكة وتحقيق معدلات التنمية العمرانية التي لم يسبق لها مثيل خلال العقدين الماضيين، صاحبه حدوث بعض الأضرار بالموارد البيئية، مثل التلوث والأخطار الصحية الناجمة عن المعالجة غير الملائمة لنفايات النشاطات الصناعية والحضرية، وتلوث الهواء في المدن الكبيرة والصناعية وتلوث البحار وبالأخص بالموانىء وبالقرب من المجمعات الصناعية الكبرى ومحطات التحلية، وارتفاع مستوى المياه الأرضية في المدن، وتراكم المياه على مقربة من سطح الأرض، وارتفاع ملوحة التربة والأخطار التي تواجه الحياة الفطرية وانقراض بعض أنواع الحيوانات والسلالات، والحد من التباين الوراثي.
وحول خطة التنمية السادسة (1415 - 1420هـ)، فهي الأخرى قد وضعت أساساً استراتيجياً، والذي اهتم بالبيئة والمحافظة على خصائصها الطبيعية، إضافة إلى صيانة الموارد الطبيعية، وحماية مختلف أنماط الحياة الفطرية بالمملكة وتطورها، مع الحفاظ على التوازن البيئي وتباين المصادر الوراثية الحيوانية والنباتية، بجانب تحقيق التوازن المستمر بين التوزيع السكاني والطاقات الاستيعابية للبيئة، والأخذ في الاعتبار تأثير النمو السكاني والأنماط الاستهلاكية على قاعدة الموارد البشرية.
وكان أحد أسباب قيام الرياض بالسعي نحو إنقاذ المناخ، هو تعرض المنطقة العربية لكثير من التغيرات المناخية ذات التأثيرات الشديدة التي أعقبت التغيرات الجيولوجية وانفصال القارات، وأدت بالتالي إلى ظهور مناخ صحراوي جاف ونشوء صحراء «عربية - إفريقية» بمساحة (7000) كيلو متر، وذلك المناخ تسبب في تغيير وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل سقوط الأمطار، وأدى لضعف الغطاء المناخي وانحسار وزوال كثير من «غابات السافانا» والغابات الأخرى التي كانت تغطي تلك المناطق، وتسببت أيضاً في تسيد ظاهرة التصحر في تلك المنطقة المهمة من العالم.
ونظراً لاتساع رقعة أراضي المملكة العربية السعودية، واختلاف طبيعة الأرض في مناخها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، أن أدى ذلك إلى اختلاف غطائها النباتي والتدرج من مجتمعات يمكنها تحمل أقصى الظروف المناخية، إلى مجتمعات الغابات الجبلية وغابات «الشورة والقندل» الساحلية ..إلخ، ومن ثم أصبحت مساعي الرياض إلى حماية المناخ في المملكة والمنطقة العربية ذات أولوية قصوى في خططها وسياساتها العامة، وضرورة حتمية لتعاظم أهمية دور النبات في النظم البيئية وتأثيره الكبير على المناخ والتربة.
كما تُعد مهمة المحافظة على الموارد الفطرية والبيئية، التي تبنتها المملكة وجعلتها من بين استراتيجيات خططها الاقتصادية الخمسية (السابق ذكرها) التي تنظم أنشطتها الاقتصادية نقلة حضارية مهمة بكافة الأعراف وبكل المقاييس، حيث تبوأت الرياض مكانة عالمية مرموقة وأصبحت في مصاف الدول الكبرى والمتحضرة، بعد أن عملت على الأخذ بأسباب المحافظة على الموارد الفطرية والاهتمام بكل النواحي المناخية.
ولا يفوتنا الحديث أبداً عن صدور نظام المناطق المحمية من خلال المرسوم الملكي رقم (م/ 12) في السادس والعشرين من شهر شوال عام 1415هـ، والذي أسس دعائم علاقة المواطنين مع المناطق المحمية، التي أنشأتها الهيئة الوطنية بموجب نظامها الأساسي، وهو نظامٌ حظر أيضاً كل الأنشطة الإنسانية التي قد يكون لها تأثيرٌ سلبيٌّ على المحافظة على الحياة الفطرية في المناطق المحمية، ووضعه اَللَّبِنَات الأولى والهادفة إلى استثمار المواطنين للمناطق المحمية، التي يفترض استثمار مواردها بصورة مشرفة تحفظ لها أيقونتها وجوهرها.