مها محمد الشريف
واصلت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلها الكثيف على تويتر من قبل العراقيين والخليجيين، حول احتجاج إيران لتسمية الخليج العربي بدلاً من «الخليج الفارسي»، وكان الرد الشعبي مؤثرا جداً ومتميزا بأن الخليج –العربي أصبح الترند المتلألئ في معظم الحسابات، وتصدر وسم (#البصرة-ديرتكم) ترند العراق على منصة تويتر. أليس ثمة من يسأل عن هذا التوهج الخليجي؟، ألم يحن الوقت لمباركة هذا التجمع المنشود والمطلوب؟، فالكل يعلم أن خليجي (25) أعاد لدول المنطقة الذكريات الجميلة والفرحة في مدينة البصرة التي بناها الصحابي عتبة بن غزوان -رضي الله عنه- في السنة الرابعة عشرة للهجرة.
فهناك ثقافةٌ عروبية توحد الناس، وكرم استثنائي، وبحر يهدئ من روع المدينة فيزيدها جمالاً وسعادة رغم كل التحديات، وعمارةٌ بصْريَّةٌ تتميز بالشناشيل، وتراثٌ غنائي وموسيقي وشعر، ونخيل وبساتين يأسر الخيال، فضلا عن شط العرب الذي يشق مئتي كيلومتر، من شمال البصرة إلى جنوبها..
لقد مر العراق بالكثير من الشدائد حتى كاد أن يفقد الأمل، ولكنه اليوم عاد يلملم لحظات الفرح المتناثرة التي تبعثرت منذ زمن طويل، ويعيد أمجاده الرياضية من خلال بوابة كرة خليجي (25)، وكأنه يسكن بعضاً من أوجاعِ بصرة العراق، فالبصرة تاريخها كان يحكى أجمل الحكايات وأروع البطولات، إلى أن أصبحت مدينة ظلمها الجوع والعطش والفقر، فقد سرقوا نِفطها ونخيلها، وتآمر عليها الخونة حتى أُغلقوا منافذ تنفُّسها، ورغم كل ذلك نفضت غبار الحزن، ورفرف عَلم العودة وفاق حلمُها الكبير كل التوقعات وأضاءت بحرَ شط العرب بألوانها التراثية الجميلة.
من المهم أن نذكر بما حل في العراق كغيره من دول منطقة الشرق الأوسط مثل ليبيا وسوريا واليمن وقبلهم فلسطين، فهو كغيره من الدول العربية التي تعاني من لعنة الثروة والموارد (الطاقة)، فكل ذلك أهداف فريدة من نوعها يجري توجيهها بوضوح لمصلحة الآخرين، والعمل على إذكاء نار الصراعات الداخلية بين مكوناته السياسية والاجتماعية حول السلطة وتوزيع الموارد وطريقة إدارة الحكم والفساد، حتى أصبح ذلك من جوهر عقيدتهم، مع استمرار النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية وتجاذباتها على ساحته، وجعلها مسرحًا للعبة الأمم ما بين أفغانستان وإيران التي تغذي الفوضى وعدم الاستقرار.
كل هذا وأكثر بكثير، حوّل البلاد إلى ساحة شاسعة للإرهاب الدولي المتمثل في تنظيم القاعدة وتداعياتها المحلية والإقليمية، فالحرب على الإرهاب هو الحملة الإرهابية الأكثر تطرفاً وشراسة في العصر الحديث، فقد اعترفت هيلاري كلينتون في مذكراتها أنهم هم من أسس ما يعرف بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)». لاعتبارات سياسية، حتى غشي الظلام كل شيء، وهي في الحقيقة الأكثر دموية وهمجية لا تمت إلى الإسلام والدين بصلة، في مجمل هذا التنظيم قتل وذبح وتهجير لكل من يخالف معتقداتهم، فإن هذه النتائج يُنظر إليها على أنها هزيمة وفشل وقرارات مرعبة لقتل الشعوب العربية وانتهاك سيادة الدول.
باختصار ثمة عالم يريد انهيار دول المنطقة، فالتحديات أمام العراق كبيرة، وقد خططوا لتسليم العراق إلى إيران كما سلموا فلسطين لإسرائيل، سوف يطول زمن القتال والتقاتل، حتى وإن تكشفت الحقائق التي قُدر لها أن تظهر إلى حيز الوجود في عالم يتشكل من جديد، والدلائل المتأرجحة ما بين عالم القطب الواحد ونظام عالمي متعدد الأقطاب، ولن نسهب هنا بالحديث عن الأهداف التي يهلل لها الغرب فكل عاكف على مواصلة تنفيذ أطماعه، وتسعى الحكومة العراقية إلى إطفاء هذه النيران بالتعاون مع دول الجوار وبقية دول العالم، كما أن الدول العربية تعمل من أجل استقرار العراق.
وتسعى الحكومة الجديدة لبناء سلطة متوازنة ونظام سياسي يقوم على جمع مكونات المجتمع العراقي على الرغم من كثرة الأصوات والتدخلات التي تعرقل ذلك.
في ظل هذه الظروف، لم يكن مستحيلاً إمكان التوصل إلى اتفاقات تتضمن أمن البلاد، وعمل الإرادة الواحدة للشعب العراقي ومدى استجابتها للتغلب على هذه التحديات والمخاطر التي ستحدد طريق المستقبل والمصير، وربما للمنطقة وللأجيال القادمة على أرض الحضارات الممتدة على مدى 8000 سنة، أرض الحضارة والثقافة، وندعو للعمل من أجل العراق في زمن تطوّقه المصالح والحروب، وتقلبات سياسية وأحداث نجم عنها الكثير من الكوارث المدمرة، وتحديات داخلية ممولة من الخارج.