أ.د.عثمان بن صالح العامر
الثقافة -كما هو معلوم- مصطلح متداول بشكل كبير في الأوساط الأكاديمية والثقافية وفي مجتمع الكتاب والمؤلفين بل حتى لدى الطبقات الشعبية والعامة، وحين نقول مصطلح (Term)، فنعني به هو: «ذلك اللفظ المتفق عليه بين أهل الاختصاص في الاستعمال للتعبير عن الأفكار والمعاني العملية في أي علم من المعلوم والذي يسهم في توضيح المعنى، وتحديد الدلالة بشكل علمي دقيق» وعلى ضوء ذلك فنحن هنا إزاء إشكالية حقيقة ألا وهي صعوبة الاتفاق على تعريف اصطلاحي دقيق للثقافة، إذ يشترط للتعريف الحقيقي لأي مصطلح أن يكون التعريف:
* جامعاً (يشمل جميع أفراد المعرَف)، مانعاً (لا يدخل فيه غير أفراد المعرَف).
* واضحاً في ذاته موضحاً للمعرَف فلا يفضي بالقارئ إلا جهالة أو خفاء.
* لا يكفي في التعريف بالمصطلح ذكر نقيضه أو ضده، فالحلال لا يعرف بأنه ضد الحرام فحسب، أو نكتفي بتعريف الإيمان بأنه ضد الكفر.
ومصطلح الثقافة يفتقد هذه الأركان، إذ ليس هناك اتفاق عام على تعريف اصطلاحي واحد للثقافة بل هناك مئات التعاريف كما هو معلوم، وسبب ذلك:
* اتسع دلالة هذا المصطلح، ودخوله في جميع الفنون والمعارف.
* اتخاذه أبعاداً عالمية، وقومية، ووطنية، بل حتى ذاتية، فكل مفكر جعل للثقافة تعريفاً خاصاً به حسب المجال العلمي الذي اشتغل عليه إلى جانب البيئة والفترة الزمنية التي عايشها، فضلاً عن أن هناك من المفكرين من وظف التأويل حين تناول مصطلح الثقافة على غرار غيرتز كليفورد في كتابه (تأويل الثقافة).
* وجود ثقافة أم ثقافات فرعية متولدة من الثقافة الأم، وثقافة مركزية وثقافات هامشية، وثقافة رسمية وثقافات شعبية، وثقافة بدائية وثقافات مدنية، فضلاً عن ظهور عدد من المدارس ذات البعد الثقافي أمثال البنيوية والبراغماتية والوجودية ...وهكذا.
* اختلاف المرجعيات العقدية والأيديولوجية والفكرية للمعرفين.
* اختلاف مفهوم الثقافة في أذهان المتلقين، ونعني بالمفهوم هنا: «الفكرة أو الصورة العقلية لدى المتلقي عن هذا المصطلح»، وتتكون من خلال الخبرات المتتابعة التي يمر بها الفرد؛ سواء أكانت هذه الخبرات مباشرة، أم غير مباشرة، فما أعده ثقافة قد لا ينظر إليه الآخر كذلك، والمثقف عند زيد ليس هو كذلك لدى عمرو، فالافهام والمدارك ولخبرات تتباين من شخص لآخر، وعلى هذا يمكن القول بأن المفهوم يعني الصورة الذهنية لديك عن الثقافة (ما حصل في العقل)، أما المصطلح فإنه يرتكز على الدلالة اللفظية للمفهوم، الذي هو أسبق من المصطلح كما هو معلوم.
* كونه - بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين - مصطلح حديث.
* كون المصطلح ليس ساكناً بل متطور ومتجدد عبر التاريخ، ويختلف باختلاف البيئات والمجتمعات بل حتى على مستوى الأشخاص.
* جمع المصطلح بين المعيارية (ماذا يجب أن يكون) وبين التشخصية (ما هو عليه الواقع).
* تداخل وتقاطع هذا المصطلح مع مصطلحات عدة متداولة وشائعة بين العامة فضلاً عن الخاصة من المفكرين والكتاب والمثقفين، من هذه المصطلحات مصطلحات الدين والحضارة والمدنية والعلم والمعرفة.
ولذا لا عجب أن نجد مئات التعاريف العالمية المشتهرة لمصطلح الثقافة.
الشيء المهم هنا أنه رغم كثرة التعريفات الاصطلاحية للثقافة فليس بينها تضاد، وإنما تدل على جانب من جوانب الثقافة، وكل يعرفها من الزاوية التي تنظر من خلالها لهذا المصطلح الشمولي. دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام..