د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في الأسبوع الماضي هناك حدثان يستحقان التوقف أمامهما، أحدهما يتعلق بالتضخم، والآخر يتعلق بالديون في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شك أن الاقتصاد الأمريكي يؤثر تأثيراً كبيراً على اقتصاديات العالم أجمع، كما أن الدولار كان منذ فترة طويلة وما زال العملة الأهم من مجمل العملات الأخرى، ولهذا فإن مراقبة ما يحدث للاقتصاد الأمريكي، والعملة الأمريكية مهم جداً بسبب التأثير العالمي الكبير.
لقد أعلنت الحكومة الأمريكية انخفاض التضخم إلى نسبة ستة وربع، بعد أن كان في فترات سابقة قد وصل إلى أكثر من ثمانية، ويعتبر ذلك تحسنا ملموساً سوف يترتب عليه قرارات مؤثرة، سيستفيد منها، أو تتضرر دول ومؤسسات وأفراد، وسيتم البناء عليها في رسم الخطط المستقبلية.
من ضمن تلك القرارات التي ربما تتخذ هو تقليل نسبة الزيادة في سعر الفائدة بدلاً مما هو قائم سابقاً منذ بداية أزمة التضخم العالمية، بسبب عوامل كثيرة، منها زيادة عرض النقود، من خلال طبع الكثير للعملات في الفترة التي ساد فيها وباء كورونا، واتخاذ بعض الدول قرارات تتعلق بالإغلاق، ومدده، وكذلك الحرب في اوكرانيا، وما ترتب عليها من أزمة طاقة في الدول الأوروبية، وغيرها من دول العالم الثالث ذات الدخول المحدودة، والمفتقرة إلى مصادر الطاقة، وأيضاً الارتفاع الكبير في سعر بعض المحاصيل الزراعية مثل القمح، وزيت عباد الشمس، وغيرها من المحاصيل الزراعية، ونعلم أن أوكرانيا تنتج نحو خمسة وعشرين مليون طن من القمح، بينما تنتج روسيا نحو خمسة وسبعين مليون طن من القمح، كما أعلنت أنها سوف تنتج مائة مليون طن من القمح في هذا الموسم، وقد يصل مجمل إنتاجهما من الحبوب مجتمعة نحو مائة وخمسين مليون طن، لكن تبقى إمكانية تصديره بطريقة سلسة إلى العالم أمرا صعب المنال بسبب الحرب القائمة، وهذا ما جعل عددا من الدول تدفع سعراً أكثر لما هو متاح من القمح والحبوب في السوق العالمي.
لاشك أن أثر هذه العوامل بدأ ينحسر، فالعالم استطاع التغلب على وباء كورونا، ما عدا الصين التي اتخذت إجراءات مناسبة كفيلة بالتغلب عليه في أقرب وقت ممكن، والدول الأوروبية عانت وما زالت تعاني من نقص الطاقة، لكنها، أخذت في تخفيض الاستهلاك، وترشيده، حتى استطاعت أن تصل إلى ما مقداره أربعة عشر في المائة، وهي ماضية في طريقها لتنويع المصادر، وبناء البنية التحتية لاستقبال الغاز المسال، وزيادة نسبة المصادر الصديقة للبيئة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وأيضاً غير الصديقة للبيئة مثل الفحم، والطاقة الذرية.
النقطة الثانية الجديرة بالحديث عنها، تلك المتعلقة بالتحذير الذي أطلقته وزيرة الخزانة الأمريكية، بخصوص الاقتصاد والديون، فقد حذرت بأن الحكومة الأمريكية قد تضطر لاتخاذ إجراءات استثنائية لتجنب التخلف عن تسديد الديون، وتلك الإجراءات ستكون متعلقة بصناديق معاشات وتقاعد الموظفين، ولا شك أن ذلك لن يمس مدخرات المتقاعدين، ورواتبهم التقاعدية، ذلك سيتعلق بالصناديق في حد ذاتها، لقد كان ذلك التحذير في رسالة أرسلتها إلى الرئيس الجديد لمجلس النواب السيد مكارثي، وهو جمهوري، بعد أن حصل الحزب الجمهوري على الأغلبية، ولقد ذكرت في رسالتها أن ذلك التخلف عن التسديد قد يحدث في يونيو القادم من هذا العام، وهي بهذا تريد رفع سقف الاقتراض حتى يمكن للحكومة تسيير أمور الدولة، لكن الحزب الجمهوري سوف يناور للضغط على الحكومة الديمقراطية، عند مناقشة موضوعات أخرى.
لا أحد يمكنه التصديق بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتخلف عن تسديد ديونها للمرة الأولى في تاريخها، لأن ذلك له تداعياته على الاقتصاد الأمريكي، والدولار، وثقة الدول، والمؤسسات، والأفراد، مما قد يجر معه تهاويا في الاقتصاد الأمريكي، والمشرعون الأمريكيون يدركون ذلك، وسوف يكونون قادرين على حلول وسط للخروج من المأزق.
تبلغ ديون الولايات المتحدة الأمريكية واحدا وثلاثين ترليونا، وهو يزيد عن إجمالي إنتاجها الوطني بنسة مقلقة، غير أن وضعهم في أمان تام لأن ما عليها سوى طبع ما تحتاجه من دولارات في الوقت الذي تحتاج الدول الأخرى لا سيما دول العالم الثالث إلى زيادة جلب العملة الصعبة، والحد من هجرتها، وزيادة القروض من صندوق النقد وغيره، الذي يكون له ثمن باهظ يتعلق بالاستقرار والسيادة.
يبقى أن نقول إن العالم مدين بما مقداره ثلاثمائة وستة وستون من إجمالي إنتاجه الوطني، وأن الولايات المتحدة هي أكبر دولة في العالم مدينة، وأن الدين العالمي في تزايد، وأن التضخم قد يحد من معدل النمو في كثير من الدول، مما يدفع إلى مزيد من الاستدانة الصعبة، لأنه لا يوجد لديها مطبعة موثوق بمنتجها من العملة المحلية، كما هي الحال مع المطبعة الأمريكية، والمنتج الخارج منها وهو الدولار.