وليم جيمس - مجلة «ريدرز دايجست» الصادرة في شهر يوليو 1937
المثاليات النظرية هي أرخص شيء في هذا الوجود، فهي في متناول الجميع بطريقة أو بأخرى، على المستوى العام أو الشخصي، وبالطريقة الصحيحة أو الخاطئة.
بل إن أكثر الحالمين الغارقين في عالم الخيال والذين لا يملكون ذرّة من الشجاعة والقدرة على التحمّل، يملكون الكثير من هذه المثاليات، ولو كانت كميّة المثاليات غير الواقعية التي يتشدّق بها بعض المُنظِّرين والشُّعراء كافية لضمان حياة رغيدة لكانوا أكثر المحظوظين بها!
ولكن الحقيقة هي أن الإنسان كلّما طلب الحصول على المزيد من المثاليات النظرية، كلّما كان أكثر البشر موضعاً للسخرية والازدراء، إذا لم يتحلّى بالشجاعة في سبيل تحقيقها، ولم يُعاني من الحرمان، أو لم تترك عليه الندوب آثار جراح تحمّل آلامها في سبيل الوصول إلّ هدفه في إنجاز تلك المثاليات.
قضيتُ أسبوعاً على شاطيء بحيرة «تشاتوكا»، وكانت جودة الترتيب والخدمة وحُسن التعامل والبهجة تملأ المكان، وكانت نزهة مُترفة حقّاً بكلّ المقاييس، فرفاق الرحلة هم الأفضل، والمحاضرين هم الأشهر، والأمان يحيط بك من كلّ جانب ويمنع عنك القلق من نقص في الغذاء أو خوف من مرض أو اعتداء.
ولكن ما أثار دهشتي حين عدت إلى الحياة الطبيعية، أني وجدت نفسي أقول: «يا للراحة أخيراً!» فقد كان كمال النظام رتيباً إلى درجة الملل، فلم أنسجم معه.. دعني أحاول اقتناص الفرص التي تسنح لي في العالم الخارجي، ففيها الصعود إلى القمم والهبوط إلى المنحدرات وفيها الوقوف على حافة الهاوية، وهناك دائماً آمال عريضة لحياة أفضل.
إن ما يُثير اهتمامنا ويُلهب عواطفنا، هو المشاركة في الصراع الدائم والقائم بين قوى النور ضد الظلام، ببطولة وتصميم على انتزاع النصر من بين أنياب الفشل.. فبالجدّ والاجتهاد ودفع قدرات الإنسان الكامنة إلى الحدّ الأقصى لإنجاز الهدف، ثمّ التوجّه نحو تحديّات أكبر لتحقيق المثاليات الصعبة المرتقى على أرض الواقع، هو حقّاً ما يبعث على الإلهام.
أخيراً، إن المجتمع يمرّ بمرحلة يصل فيها في النهاية إلى مستوى أفضل من التوازن، وكذلك ينبغي لنظام توزيع الثروة أن يتغيّر ولو ببطء، ولكن إذا توقّع أحد أن التغييرات الحقيقية الكُبرى يمكن أن تتم بسهولة وبساطة، فقد أخطأ في فهم المعنى الأساسي للحياة، وهو الشيء الثابت على الدوام: التزاوج بين بعض المثاليات ببعض الشجاعة والقدرة على التحمّل.
** **
- أحمد بن عبدالرحمن السبيهين