عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كانت القضية الفلسطينية الشغل الشاغل خلال عقد الستينات ميلادياً لجمهور غفير من الطلاب العرب وزملائهم السعوديين في جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية، بمدينة لوس أنجلوس، وكنت وقتئذ طالباً في تلك الجامعة، ولم يبخل أولئك الطلاب بوقوفهم ومالهم مشاركة في الفعاليات التي كانوا يقيمونها في تلك الجامعة، نصرة للقضية الفلسيطينية.
**
* وأتذكر في هذا الصدد أن مجموعة مباركة من قرينات بعض الطلاب السعوديين في تلك الجامعة تطوّعن مشكورات بإعداد نماذج من الأطباق الشهيرة في بلادنا وفي مقدمتها (الكبسة) السعودية ليشاركن بها في مهرجان الأطباق العالمية، وكنّ يجلسن خلف الموائد الخشبية الطويلة وأمامهنّ حافظات الطعام، فيما يضعن جزءاً منها تحت موائد التخديم تمهيداً لعرضها في وقت لاحق ذلك اليوم!
**
* وفجأة سُمِعتْ أصوات صادرة من ركن العائلات السعوديات مفادها أن عدداً من حافظات الطعام التي لم تستخدم بعد قد اختفت.. بفعل فاعل!
**
* وبعد بحثٍ وتحرٍ دقيقين، تبيّن أن طالباً صهيونياً هو الفاعل لتلك السرقة، وكان يعمل في إحدى المنصّات المجاورة للجناح العربي، وتم اكتشاف ذلك الإثم الصهيوني، حين ذهب أحد الطلاب العرب إلى تلك المنصّة (متظاهراً) بالرغبة في شراء عيّنة من الطعام، ليتفاجأ بأن البائع في الجناح الصهيوني يعرض عليه عينة من (الكبسة) السعودية (المختطفة) ظناً أن (الزبون) الذي أمامه طالب مكسيكي أو من إحدى دول أمريكا الجنوبية!
**
* كان التعليق المباشر على ذلك الموقف هو أن اليهود الصهاينة لم يكتفوا بـ (سرقة) أرض فلسطين المحتلة ونسبها إليهم، بل امتدت أيديهم إلى (تراث) عربي أصيل.. هو طعام الكبسة السعودية، وتساءل البعض ذلك اليوم.. ما الفرق إذاً بين (سرقة) الأرض العربية ممثلة في فلسطين وسرقة عيّنة من التراث العربي ممثلاً بـ(الكبسة).. ذلك اليوم!
**
* وأتذكر على هامش تلك الواقعة أن جدلاً ساخناً نشب بين طالب سعودي وآخر صهيوني حول الموضوع. ثم أمسك الطالب السعودي عن الجدل، وعرض على نظيره الصهيوني دعوة (للمنازلة) (ملاكمة) بالعضلات، وحُدّد لها موعد في تمام الساعة الواحدة من ظهر ذلك اليوم، كما حُدّد المكان في زاوية مجاورة لمكتبة الجامعة. وقد استجاب الخصم الصهيوني لعرض غريمه العربيّ، في الحال ظاناً أن نحافة جسد ذلك الغريم ستمنحه فرصة استسلام خصمه من أول جولة!
**
* لم أتمكن من مشاهدة المنازلة ذلك اليوم بسبب انشغالي بامتحان مُبرمج سلفاً، ثم علمت فيما بعد أن المواجهة تمت بين الطالبين، وأن (الضربة القاضية) كانت من نصيب الطالب السعودي انتصاراً على الطالب الصهيوني، بعد نحو ست دقائق فقط من بدء الصراع.
**
* قلت لنفسي معلقاً ذلك اليوم: إذا كنا معشر العرب قد خسرنا حرباً حقيقية مع العدو الصهيوني في عام 1967م، فقد انتصر زميلنا السعودي على غريمه في (6) دقائق فقط.