أحمد يوسف
كثيراً ما يعلق الكاتب في دوامة التخطيط للكتابة، وينسى الكتابة ذاتها.
يقع الكاتب في مثل هذا الفخ، تبقى أفكاره حبيسة دماغه الصغير، دون أن يُحرك مِقوَد الآلة لتبدأ التقدم للأمام، هذه الحالة تُصيب معظمنا، وللأسف أننا لا نفعل شيئاً يُذكر، تجاه هذه الحالة، التوهّم بأننا على المحك.
الكاتب الجيد يكتب، بمجرد أن تتكامل ملامح بناء المشهد، أو الفصل من الكِتاب، في مخيّلتك، فقد حان الوقت لأن تُبادر بالكتابة، حتى لو لم تكن مستعداً 100 %، فأنت مستعد على الأقل، أن تكتب، وتكسر حالة التردد والجمود الذي يُصيب مفاصلك، تيبّس أناملك، أو الخوف الذي يعتريك، في كثير من الأوقات من الأفضل الخروج من حالة العجز المُبطّن، والبدء بالكتابة، حتى لو لم تكن أفكارنا قد نضجت بعد، هذا سيُكسبك شعوراً بأنك تسيطر على حالتك النفسية، وأنك قادر على التقدم.
تذكر أنّ ما تكتبه اليوم أو غداً، هو حالة طبيعية لما كنت تُفكر فيه بالأمس، وأعني بالأمس، ذكريات طفولتك، الأحداث التي تعرضت لها مع والديك، أصدقائك، زوجتك، وحتى أطفالك الصغار، كثيراً ما يصنع الماضي جمال اللحظة الآنية، فتبدو خلابة، لا تُقاوم، ومن المُجدي حقاً أن تكتب عن تلك الفترة، طفولتك وعلاقاتك في الماضي هو الكنز الذي لا يُشاركك به أحد، أنت تمتلكه وحدك، وتستطيع أن تجعله معيناً لا ينضب بكتابته، فهذا سيُبقيه حيّاً ونضراً أيضاً.
تذكر دائماً أنّ وقت الكتابة هو شيء مهم، أعلم أنّ الكثير من الكُتّاب يُعانون من ذلك، من وجود مكان مُخصص للكتابة، فالعزلة -كما يحلو للبعض تسميتها- هي حقٌ لا يمكن التنازل عنه، فبينما يكتب القلة في الضجيج، يميل الغالبية ليكونوا خارج إطار الزمان والمكان الذي يحتويهم، وبالأخص من يكتبون في الخيال والأدب، لهذا يجب أن تكون لك طقوسك الخاصة بالكتابة، لا تشعر بالحرج من التصريح لمن حولك بأنك ستقضي وقتاً في الكتابة، وأنك لا تتوقع أن يُقاطعك أحد، ويخرجك من حالتك الشعورية.
قد يتبادر إلى ذهنك، بأنّ ما تكتبه هو شيء من الهراء، الكلام الفارغ الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع، ولهذا يُصيبك الإحباط من أن تُصبح كاتباً يوماً ما، فتنكمش على نفسك، وتتقهقر، وتبحث عن أشياء أكثر فائدة لك من الكتابة, للأسف هذا يحدث مع الجميع، حتى لو كنتَ كاتباً ناجحاً فستتعرض لمثل هذه الأفكار التي ستغزو عقلك، ستعتقد في لحظة معينة أن لا قيمة تُذكر لما تفعله، وبأنّ ما تكتبه سيكون عديم الفائدة، وأنه لن يقوم أحد بالتطوّع لقراءة هذا الهراء.
عملية إعادة الكتابة، دائماً ما تكون نوعاً من أنواع الإبداع، فالكاتب يقوم بإحداث تغييرات بسيطة هنا وهناك، لكنها تُشكّل روح العمل الكتابي ذاته، لا يمكن للكاتب الحقيقي أن يتجاوز متعة إعادة تدوير الكتابة، والتحقّق هنا وهناك من جدوى كلمة، وجملة، وفقرة كاملة أيضاً، فبدون القراءة مرة ثانية أو ثالثة، ستفتقد الخبرة التي يتمتع بها الكاتب ونظرته للأشياء حوله، فالكاتب الجيد يملك مخزوناً هائلاً من الكلمات التي يمكنه تطويعها ليصنع الحدث.
عندما تأتيك فكرة جميلة، اكتبها، لا تقف مكتوف اليدين، فأنت لا تدري إلى أيّ مكان يمكن لهذه الفكرة أن تقودك، قد تذهب بك بعيداً لكتابة رواية كاملة، أو قصة قصيرة، أو مقالة أدبية، المهم أن لا تجعلها حبيسة غُرفِك المظلمة، كم هي الأشياء التي كانت مستحيلة في الماضي، وأصبحت واقعاً لا يمكن الاستغناء عنه في وقتنا الحاضر، دائماً هناك شيء رائع يمكنك كتابته، يجب أن تتحلى بالشجاعة وروح المغامر، حتى لو كنتَ تجلس أمام شاشة لابتوب، ككاتب تستطيع فعل ما لا يمكن للآخرين القيام به.
عِش كلّ اللحظات التي انتظرتها بشغف، عندما تبدأ الكتابة، لامس شخصياتك التي ابتكرتها، عِش أحداث يومك المُرعب، ابدأ رحلة البحث عن ذاتك، المُهشّمة، بفعل الأوغاد، لا تقبل بنصف حياة، أو نصف وجود، قاوم كلّ التحديات، وانجح في مهمتك على هذي الأرض، عِش حُلمك.
إذا كنت كاتباً، وتسعى بكلّ قوتك لأن يكون شغفك الحقيقي واقعاً، فيجب أن تكتب، فأسوأ شيء يمكن أن يحدث للكاتب، هو ألا يكتب، أن يسير هائماً على وجهه، بلا وِجهة، نفسهُ تحثّه على الكتابة، وهو يُقدّم رِجلاً ويُؤخّر أخرى، وتكاد تعصف به رياح الخوف إلى المجهول، لذلك تحلى دائماً بالشجاعة، واكتب.