د.سماح ضاوي العصيمي
عانت المرأة الأفغانية خلال عشرات السنين الماضية من التهميش والقمع والتحريض حتى أصبحت نموذجًا عالميًا للمرأة المسحوقة مسلوبة الحقوق، والمحرومة من أدنى المقومات والخيارات الإنسانية والدينية والعرقية، فحالها في الحكم طالباني في تسعينات القرن الماضي الذي عُرف عالميًا بالكيان الداعم والحامي لتنظيم القاعدة الإرهابي وبرامجه الموجهة ضد المجتمعات المستقرة وتهديد أمنها القومي، وتعمل بالتزامن على توفير الحماية الأمنية والاجتماعية لرموز القاعدة المطلوبين، أما المرأة الأفغانية في ظل هذا المعترك كانت أسفل سلم الاهتمامات والأولويات، فجلدُها في زاوايا الميادين العامة لأتفه الأسباب وقرار إعدامها جسديًا ونفسيًا منظر مألوف وروتيني في المشهد الاجتماعي الأفغاني، إذ لم يكن قرارًا مرتجلًا من أحدهم وفق فكره الخاص أو مزاجه اللحظي... فلا ريب فهي مخلوق مسحوق وهامشي في ظل حركة سياسية تنتهج السلوك الإرهابي والتطرف العقدي الممزوج بطقوس محرمة في جميع الأديان والعرف الإنسانية.
ولعل المرأة الأفغانية تنفست الصعداء بعد سقوط حكم طالبان عام 2001م أبان الغزو الأمريكي لأفغانستان وتولي زمام البلاد حكومة أفغانية مدنية عملت على تمكين المرأة في ظل الظروف غير المستقرة والهجمات المتقطعة من الموالين لطالبان وبعض النزاعات المتنوعة في أفغانستان؛ ولعل التواجد الأمريكي الكبير ساعد على تقرير حقوق المرأة الأفغانية والبناء الاقتصادي للدولة واقتربت كونها دولة أكثر منها منطقة أفغان، وعلى الرغم من التحديات الأمنية والفكرية التي ورثتها بعض القبائل الأفغانية إلا أن المرأة الأفغانية اجتازت شوطًا كبيرًا في التعليم والإنجاز العلمي والتعاملات الاقتصادية في كثير من مناطق أفغانستان.
وعادت طالبان في عودتها للحكم أكثر تشدداً من طالبان تسعينيات القرن العشرين، فحضرت المرأة الأفغانية على رأس القرار الطالباني، فعُلق ابتداءً إتاحة الدراسة الجامعية لها والاكتفاء بما قبلها من تعليم، ثم أُلحق ذلك بقرار منعها من التعليم الأساسي والعمل على إغلاق كل فرص التعليم أمامها، وأصدرت طالبان في الأسابيع الأخيرة الماضية سلسلة من القرارات ضد أدنى حقوق المرأة الأفغانية كمنعها من الخروج من المنزل إلا للحاجة الملحة ومع مرافق لها، ومنع دخولها للحدائق أو مناشط الترفيه، ومنع عرضها صحيًا على طبيب مهما كانت خطورة حالتها إذ لم تتوفر طبيبة، وتجريم الأنشطة الاقتصادية للمرأة كمراكز التجميل وغيرها أو زيارتها، وشددت على منع مراكز ومؤسسات الإغاثة الأجنبية التطوعية بالسماح للنساء بالقدوم للعمل فيها، فلم تلتزم طالبان بشروط المفاوضات في حال المرأة الأفغانية ولا في التنمية الاقتصادية ومتطلبات السوق الاقتصادي بتعمد إلحاق الشلل التام بنصفه، فأصبح ضرب النساء بالسوط والتأديبات الممنهجة الميدانية ضد المرأة الأفغانية مشهدًا عاد وتكرر لكن هذه المرة أكثر شراسة وأقوى دعمًا وفق منازعات داخلية ودعم لحسابات خارجية لا ناقة ولا جمل للمرأة الأفغانية فيها.
ولعل المقارنة العجيبة هنا... هو التسويق الإلكتروني المكثف لصالح طالبان من معرفات وهمية تتحدث اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي في مجال تكريم المرأة الأفغانية، وأنها نموذج ناصع في تعامل الفكر الإسلامي مع المرأة المسلمة وكيانها؛ خاصة في مواقع وحسابات جماهيرية عربية تحث على تمكين المرأة وتبارك إنجازاتها النوعية، بل وصل نشاطهم عرض صور تصف واقع المرأة الأفغانية المسحوقة وأن حالها هو الرد المنطقي على الحرب على الإسلام!! ويقوم بتأييد هذه الحسابات المسوقة عشرات المعرفات الوهمية كخلق رأي ووجهة نظر مؤيدة!