د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
طوال عقود كانت العولمة سمة محددة لعصرنا، ومع تحول الولايات المتحدة وأوروبا إلى اقتصاد الخدمات والمعلومات، امتلأت أسواق الولايات المتحدة وأوروبا بالسلع الصينية الرخيصة، لكن مجئ كورونا قيدت كثيراً من العولمة عندها بدأ قلق الولايات المتحدة تتحدث عن صقور الصين وتدق أجراس الإنذار بالنسبة إلى خطر الإنتاج الخارجي التي كشفتها جائحة كورونا، وكانت هناك دعوة من الحزبين في أمريكا عن فصل الاقتصاد الأمريكي عن الصيني، وقد وجدت الجائحة فرصة وحجة لمواجهة الصعود الصيني، رغم تشديد أمريكي على منع تحول المنافسة مع بكين إلى صراع.
العولمة لا تحتضر ولا تتراجع رغم تحجج المناهضين لها من أن غزو روسيا لأوكرانيا والتصدع الجيوسياسي المرتبط به سبب لهذا التراجع، ويخبرنا التاريخ أن التواصل مثل الوقت لا يتراجع، صحيح أن جائحة كورونا تبطئ عقارب التواصل لكنها عملت بعد الجائحة، وتواصل وجهتها، وتستثمر السعودية أنها في طريق العولمة، لتغذية مستقبلها وتحقيق رؤيتها شرق أوسط مزدهر، وعقدت اتفاقيات ثلاثاً مع كل من أمريكا والصين، وستعقد نفس الاتفاقيات مع إفريقيا، وهي تكون بذلك قد حققت إمكاناتها الجيوقتصادية من خلال سلسلة من الإصلاحات التي تربط السعودية بالعالم لم يكن تصورها قبل سنوات.
وحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد ) حول التجارة العالمية حققت رقماً قياسياً في 2022 نحو 32 تريليون دولار وبلغت تجارة السلع 25 تريليوناً بزيادة 10 في المائة عن عام 2021 وسجلت تجارة الخدمات 7 تريليونات دولار بزيادة 15 في المائة بجانب مرونة الطلب.
صحيح أن العالم يدفع ثمن سلسلة من الأزمات لم يشهد وضعاً بهذا التعقيد منذ الحرب العالمية الثانية، فالديون الأمريكية ارتفعت في مائة عام من 409 مليارات دولار إلى 31 تريليوناً بنهاية 2022، فيما تتجاوز الديون العالمية 300 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2022 بنسبة 350 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
سيتغيب عدد من رؤساء الدول البارزين عن المنتدى الاقتصادي العالمي الـ53 في منتجع دافوس السويسري في 2023/1/16 وسيستمر لمدة خمسة أيام تحت شعار التعاون في عالم منقسم، وسيتغيب بايدن وماكرون وريشي سوناك والرئيس الصيني شي جين بينغ، وغابت أسماء كبيرة مثل جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، ومن المتوقع أن يحضر أولاف شولتس المستشار الألماني، وسيناقش المؤتمر حول قضايا تراوح بين السياسة النقدية والنقاط الساخنة الجيوسياسية، إلى الطاقات المتجددة والصحة العامة، وسيتحدث في المؤتمر ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، وكذلك هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق حول موضوع وجهات نظر تاريخية حول الحرب.
في الوقت الذي يحذر فيه خبراء منتدى دافوس من تباطؤ الاقتصاد العالمي، حقق الاقتصاد السعودي مستويات نمو بلغت 8.5 في المائة لعام 2022 بسبب أن الاقتصاد السعودي يتمتع بمجموعة من عناصر القوة يندر أن تجتمع في اقتصاد واحد، وبعد سبع سنوات وصلنا إلى وضوح أكبر بكثير من ذي قبل فيما يخص توجهات رؤية المملكة 2030 وأولوياتها، وستواصل في الفترة المقبلة إلى تسريع عملية التنويع الاقتصادي من خلال الإصلاحات الهيكلية للأنظمة والسياسات والاستثمار في البنية التحتية الحيوية للقطاعات الرئيسية وتمكين القطاعات الجديدة ذات الأثر الاقتصادي الكبير.
تشغل قضايا مكافحة التغير المناخي وتنويع مصادر الطاقة حيزاً مهماً في جلسات دافوس، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من خطة تعافي الاقتصاد العالمي عقب صدمتي جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، لكن السعودية أطلقت مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر إلى جانب جهودها لدعم تحول الطاقة المسؤول والشامل وتنويع الاقتصاد، وهي تؤكد للعالم من أن موقف السعودية ثابت تجاه التأكيد على الاستقرار والمسؤولية في تحول الطاقة نحو مستقبل مستدام للجميع، وتحقيق تحول شامل لطاقة من خلال ضمان أمن واستقرار الطاقة في الوقت الراهن، بالتزامن مع السعي لتحقيق تقدم في العمل المناخي والاستثمار في طاقة المستقبل.
فالسعودية ودولة الإمارات تستثمران بشكل استثنائي في الهيدروجين الأزرق وحقول الرياح والطاقة النووية، فوقعت السعودية مع اليابان مذكرتي تعاون في الاقتصاد الدائري للكربون والهيدروجين النظيف، وأكوباور السعودية توقع اتفاقيات إنشاء محطة لإنتاج طاقة الرياح في أوزبكستان، هناك مائة مليار دولار تكلفة إنشاء قدرات الطاقات البديلة العربية حتى عام 2035 بإنتاج نحو 160 ألف ميغاوات من إجمالي طاقة إنتاج الكهرباء من المصادر النظيفة، فعوائد الخليج الإضافية من النفط والغاز تتحول إلى مشاريع للطاقة المتجددة.