حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
عالم الجزيرة العربية: حمد الجاسر (غفر الله له)
عناية د. عبدالرحمن الشيبلي -غفر الله له-
كان الشيخ حمد الجاسر معجباً بعبقرية الملك عبد العزيز -طيب الله وثراه- وذكائه الجم في توحيد هذه البلاد، ولَمِّ شتات أطرافها المترامية، وأجناسها المتعددة، فوقف أمام هذه العبقرية دارساً متمعناً باحثاً مؤرخاً، واهتمام الشيخ حمد الجاسر بتاريخ الملك عبد العزيز جاء على شكل وقفات نقدية وتاريخية وتأمين في الكتب التي ألفت في تاريخ هذا المظفر الأشم، ونتاج علامة الجزيرة جاء مبعثراً بين صحف ومجلات نشرت هذه المقالات المتعددة، فما كان من مركز (حمد الجاسر الثقافي) إلا أن شمر عن ساعد الجد في جمعها، وضمها بين دفتي كتاب يحفظها ويسهل الانتفاع بها، فجاء إصدار المركز رقم (37) متضمناً شيئاً من حديث مؤرخ الجزيرة وعالمها عن ملك الجزيرة العربية، وهذا الحديث لم يأت لماماً أو أيجازاً بل اتسم بقراءة نقدية تأملية فيها عمق معرفي، وتبحر علمي، وهذه عادة جهيزة في خطبها، وعادة الشيخ حمد في كتبه وأبحاثه ودراسته موجزها عميق ودرسها وثيق، فهو يغرف من بحر مترامية أطرافه، متنوعة معارفه، وقد تبلورت هذه السمة التي هي أهم سمات العلامة البحاث - حمد الجاسر - في هذا الكتاب التي بين يديك - عزيزي القارئ، القراءة فيه، وتأمل فوائده، والانتقاء من أصدافه.
أنا البحر في أحشائه الدُرُّ كامِنٌ
فهل سألوا الغَوّاص عن صَدَفاتي
هذا الكتاب يحمل عنواناً يدل على مكنونه، ويوحي بعمق طرحة، وضليع درسه، وغور بحثه، وهو: (دراسات وبحوث في تاريخ الملك عبد العزيز)، وقد طبع تحت عناية وإشراف، د. عبد الرحمن الشبيلي.
- تغمد الله الجميع بواسع رحمته - ويصف مركز حمد الجاسر التحفة مضمون هذا الكتاب بقوله: (وقد تنوعت المقالات والأبحاث الصحفية التي ضمتها دفتا هذا الكتاب بين ما يحمل تسجيلاً لمشاهدة عيانية، وما يحمل طابعاً تاريخياً بحثاً، وجاء معظمها في شكل دراسات لكتب تناولت جانباً أو جوانب من تاريخ الملك المؤسس)، ومن هنا فالكتاب يعدُّ وثيقة تاريخية خطيرة عن النتاج المعرفي، للكتب التي طربت بذكر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ثم يرسم المؤلف طريقة المؤلف في كتابه هذا فقال: (شكل نقد الكتب الجزء الأكبر من موضوعات الكتاب)، وأما لماذا عزم مركز حمد الجاسر الثقافي بجمع مادة هذا الكتاب، فالسبب هو التالي: (هذا الكتاب يأتي حلقة في سلسلة العناية بالتراث العلمي للشيخ حمد الجاسر، ويواصل المركز جهوده في جمع ذلك التراث وتصنيفه وفق مجالاته الكبرى في السير والتراجم، والتاريخ والبلدان والمواضع والأسر والأنساب والقبائل والرحلات وغير ذلك)، إلى أن يفصح المركز عن السبب الحقيقي في قصده وعزمه: (كي لا تضيع هذه الجهود الكبيرة بين صفحات لم تعد متناولة، وكي يستكمل المركز رسالته، في الحفاظ على تراث علامة الجزيرة العربية) وحديث الشيخ وأسلوبه في هذا المصنف السير وفق توجيه الملك الصنديد- عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - حين الكتابة عن تاريخه، وتناول شخصه المعظم، في أن يكون ذلك بموضوعية تامة، والإنصاف في القول عند الحديث عن بطولاته، والبعد عن زيف المديح والإطراء، والأمانة العلمية التاريخية، ومن وفاء هذا الملك توجيهه إلى تسليط النظر لرجال كانوا حوله، وألا يغمط حقهم، بل يشار إليهم بالبنان {..رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}.
وحينما تحدثك النفس بطرق جانب من جوانب همداني الجزيرة العربية فأنت في حديث صعب سرده، عويص مسلكه، عسيرة طريقته، لأنك أمام موسوعة علمية، ودائرة معرفية، وقامة أدبية، تتسافق لها الأنظار، وتطرب لها الأبصار، لأن الكتابة عن عالم بقامته وشخصه هو اختبار لقدرتك العلمية، ومعرفتك البحثية - لأنه عالم بأسره فيما يخص الجزيرة العربية من أعلام وتاريخ وجغرافية ومواضع ونسب وأسرة.
وقد تحرج الباحثون على جلالة قدرهم، وعلو منزلهم من طرق جانب من جوانب الشيخ - رحمه الله وغفر له - وفي هذا الملمح يقول د. عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- التالي: (- ما كنت لأتطفل.... أو لأتجرأ على تحقيق تراث العلامة الجاسر وعلى مراجعة ما خطه قلمه، لولا أن عملية الجمع والنشر المتأخرة تقتضي مع الأمانة والدقة والمحافظة على النص، إضافة بعض الهوامش).
ومقالات الكتاب منسكبة في فحوى العنوان، وقد يعتقد القارئ أنها تشط عن موضوع الكتاب، بينما الحقيقة أنها تصب في منحدره نفسه، فيما يختص ببعض موضوعات الكتاب، كما أنه هناك موضوعات جانب المركز ذكرها منها: تلك الكتب التي يغلب عليها صبغة إعلامية أكثر منها توثيقة تاريخية، ومن الجوانب التي ألمح إليها المركز في جمعه هذا، هو استبعاد الجانب الشعري للشيخ حمد في مدحه لمثل الجزيرة العربية الأوحد، وذلك لأمرين: أولهما: أعتذار الشيخ عن هذه الأشعار لأنه يرى أنها إرهاصات نشأة، وثانيهما: أن مقصد الكتاب البحوث والمقالات الصحفية وموضوعات أخر.
وحينما بحث الباحثون، ودرس الدارسون طريقة الشيخ تناول التاريخ وجدوا أنه كان مجدداً فيه، فهو يجانب تلك الطريقة بسرد الأحداث، ورصد الأحاديث بأسلوب المؤرخين التقليدي القديم، بل هو يشبع الحدث والحديث تحليلاً ودراسةً وتحقيقاً وتنقيباً، وهو يسير على منوال أسلوب عالم الاجتماع الأول، -ابن خلدون - وموضوعات الكتاب كثر، ولعل إجالة النظر في كشاف الكتاب كفيل بإحاطة الناظر إلى محتويات الكتاب.
وبعد
فالكتاب يقدم نفسه، ويثني على شخصه، وغايته طرق الكتب التي كان ديدنها وهاجسها تاريخ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأما لماذا يميل الجاسر إلى الكتاب، فتعليل ذلك كما جاء في مقدمة المركز للكتاب فهو لأن: (الكتب عماد العمل التاريخي، فكان لا بد من تمحيصها بذكر الإيجابيات لتعزيزها، والإشارة إلى السلبيات للانتباه إليها وتصحيحها، إلا أن الطابع الصحفي يجعل ذلك النقد مؤجزاً يحيط بأبرز الجوانب التي يجب التطرق إليها).
ثم إن علاّمة الجزيرة العربية وعلاَمتها متيم بعشق الكتاب، وقد زرع والده حب العلم في نفسه منذ الصبى ونعومة الأظفار، ورغم ما وصل إليه الجاسر من علم وأدب وتاريخ وعقل وفضل فهو يصف نفسه بأن جزيرة هو عالمها فهي جاهلة غير أن التاريخ يثبت للجاسر ريادةً وعلماً ومنزلةً ومعرفةً، وقد شهد شاهد من أهل الأدب والعلم، وهو عميد الأدب العربي -طه حسين- بذلك حيت ندد بغزارة علم الشيخ وتألقه في وصف ورصد ورسم معالم الجزيرة العربية - رحمه الله وغفر له-.
مراجع المادة
- الجاسر مجدداً كتابة التاريخ، د. عبدالرحمن الشبيلي - الجزيرة 14محرم - 1440هـ.
- حمد الجاسر عاشق المعرفة والتاريخ والصحافة - منصور العساف - الرياض - الجمعة 4 شعبان 1439هـ 2018639م.
هامش
(1) طبقة مؤسسة حمد الجاسر الخيرية - الأولى- الرياض 1438هـ/ 2017م