د.شريف بن محمد الأتربي
مع هذه الأجواء الباردة يحتاج الإنسان إلى مصادر تدفئة تعينه على تحمل شدة البرد وتقي جسمه شر الإصابة بأمراض الشتاء، ومع كثير من التدابير الأخرى مثل استخدام المدافئ، وإشعال النار، واستخدام الحطب، وغيرها من وسائل اتقاء البرد تظل مشاعر الإنسان هي أكثر حاجة إلى مصادر تدفئة في عالمنا هذا ووقتنا هذا.
لقد غلبتنا الدنيا وأجبرتنا على الدوران في فلك الاحتياجات المادية، فصرنا نبحث عن المادة بأية وسيلة دون النظر إلى أثر الحصول عليها من غيرنا بلا وازع ولا ضمير فأصبحنا نرى أصحاب الباطل على حق وأصحاب الحق هم الفاسقون، لقد تبلدت وتبدلت مشاعرنا تجاه بعضنا البعض، فأصبح السؤال عن سبب اتصال أحدهما بآخر بعد كل هذه الفترة من الانقطاع أهم من تلمس حاجة المتصل نفسها.
إن عالم وسائل التواصل الاجتماعي حول دفء المشاعر إلى «إيموجي» يستخدم للتعبير عنها سواء بفرح، أو حزن، أو حب، أو تشجيع، مشاعرنا «الإيموجية» تغلبت على مشاعرنا الحقيقية حتى في بيوتنا، وفي جلستنا العائلية، واجتماعاتنا الأخوية تظل المشاعر «الإيموجية» هي المسيطرة علينا حتى كادت عضلات الوجه تتيبس من قلة استخدامها.
ومع ذلك يظل الأمل في أمتنا إلى يوم الدين أن ينصلح حالها، وتعود أدراجها وتتمسك بدينها وعقيدتها وتستحضر فيما بينها دفء مشاعر الأولين، وكيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفقد صحابته والمسلمين، بل وغير المسلمين أيضاً، وكيف كان الصحابة أيضاً يتفقدون بعضهم البعض ويفتقدون بعضهم البعض.
ولعلي أختم مقالي هذا بوصف لقاء مع أحد المعارف وليس الأصدقاء انقطعت صلتنا ربما لأكثر من خمس سنوات وكنت في حديث عابر مع صديق مشترك فذكر لي اسم الرجل أن استشيره في الأمر الذي يهمني، فتواصلت معه وكان رده مقتضباً، وتعلَّل بانشغاله في الوقت الحالي، وأنه خارج الرياض أيضاً وسيعاود الاتصال بي حين يرجع، وترسخ في ذهني أنه يصرفني ولن يتصل بي، ولكن كذب حدسي فإذا بالجوال يرن وأخينا يطلب اللقاء، فكان أمس اللقاء وقبل موعده أيضاً، تقابلنا وتبادلنا الأحضان والقبلات وخلال هذا الحضن الذي أمتد لثوانٍ معدودة أذاب دفء الحضن برودة البعد لمدة سنوات عدة وكأننا لم نفترق لحظة. ساعتان أو أكثر ونحن نتحدث ونسير جيئة وروحة في شارع التحلية مرت كأنها ثوانٍ قصيرة حكينا وتكلمنا وتذكرنا وافترقنا على وعد باللقاء مرة أخرى.
إنها دفء المشاعر يا إخواني، تذيب كل جليد تكون بفعل الزمن، تلمسوا أصدقاءكم، معارفكم، أقاربكم، جيرانكم، زملاء الدراسة، فربما اتصال منك تغير حياة فرد إلى وضع أفضل.
وأعود مرة أخرى وأذكر بإطلاق مبادرة «عام المساعدة» وهي تقوم على تقديم أي نوع من المساعدة لأي فئة من الفئات التي ذكرتها سابقاً بواقع واحد منهم على الأقل خلال شهر وربما يكون عددهم أكثر المهم أن نضع قائمة بالاثني عشر شهرًا وبجوار كل واحد منها اسم الشخص أو الأشخاص الذين ستساعدهم، ونوع المساعدة التي ستقدمها لهم. وعن نفسي فقد اخترت زميلاً في العمل أعمل معه بنظام المدرب خلال هذا الشهر، وكذلك أحد أبنائي الطلاب القدماء بالدعم النفسي.
أخرجوا مشاعركم من داخلكم وبلا حدود فحتى ابتسامتكم صدقة.