أ.د.عثمان بن صالح العامر
انتهيت في مقالي السابق إلى صعوبة بل استحالة الوصول إلى تحديد دقيق لدلالة مصطلح الثقافة، رغم الجهود العالمية والإقليمية والوطنية الساعية بجد لتحقيق ذلك (الفردية والمؤسساتية)، ومع ذلك فالكثير من الكتاب والمثقفين والهيئات العلمية والمراكز البحثية يحيلون على ما انتهى إليه إدورارد تايلور في (Tylor) في كتابة (الثقافة البدائية)، فيقولون إن الثقافة، هي: (ذلك الكلي الديناميكي المعقد الذي يشمل المعارف والفنون والقوانين والأخلاق والتقاليد والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع)، والبعض يحيل على ما جاء في إعلان اليونسكو (6/آب/ 1982م) حيث تم الاتفاق من فبل الأعضاء على أن الثقافة بمعناها الواسع، تعني: (جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية، التي تميز مجتمعًا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل: الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد). ومن العرب من يعتمد تعريف المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية. حيث عرفت الثقافة، بأنها: (كل ما فيه استنارةٌ للذهن، وتهذيبٌ للذوق، وتنميةٌ لملكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع، وتشتمِل على المعارف، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، وجميع القدرات التي يسهم بها الفرد في مجتمعه).
ولأننا إزاء مصطلح فضفاض وواسع يزداد اتساعاً مع الأيام والتحولات العالمية والمحلية، ولأن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية فإننا نجد دلائل التخصيص غالباً ما تلحق بهذا المصطلح سواء تخصيص أيديولوجي فيقال مثلاً ثقافة إسلامية أو ليبرالية أو ماركسية وهكذا، أو تخصيص طبقي ثقافة البروليتاريا، الثقافة البرجوازية وما إلى ذلك، أو يكون التخصيص على الأساس الوطني فيقال الثقافة السعودية، بل حتى داخل حيز الثقافة الوطنية الأم هناك ثقافات فرعية تتماس وتتقاطع مع الثقافة الأم سواء أكانت في دائرة المناطقية أو الجنسية أو العمرية، أياً كان، المهم أنها لا تتعارض ولا تتناقض مع الثقافة الوطنية ذات السيادة المطلقة والتأثير الفعلي في العقل الجمعي السعودي. وما التنوع الثقافي وتعدد مظاهره والتعايش الفعلي بين أفراده إلا إثراء للهوية الثقافية التي هي محل اعتزاز وافتخار لكل سعودي.
وعلى هذا الأساس ومن رحم أدبيات الثقافة عامة، ومعطيات الثقافة السعودية وتطبيقاتها الواقعية خاصة يمكن أن نخلص لتعريف أحسبه أنه جامع مانع يمكن اعتماده للدرس، ويخضع للمناقشة والحوار من قبل أهل الاختصاص ألا وهو القول إن الثقافة السعودية هي: (ذلك الكل المركب من المفاهيم والأفكار والقيم والنظم والفنون والآداب والعلوم والمخترعات التي تشكل شخصية الفرد السعودي، وتحدد هوية الوطن، وتضبط علاقة الذات السعودية بالآخر، وتنظم صلة المجتمعات المحلية والطبقات الاجتماعية مع بعضها بعضًا، وتنقد الأفكار والأيديولوجيات العالمية وفق أسس وضوابط المرجعية الرسمية للدولة).
ولنا عودة بإذن الله لبيان محددات ومعالم وأركان هذه الثقافة على ضوء التعاريف الوارد أعلاه المبنى على أساس رؤية المملكة 2030، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.