د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
قد يتبادر إلى ذهن القارئ للوهلة الأولى أن الموضوع يتعلق بالتجسس الاقتصادي أو العمليات السرية أو الحراسات وكاميرات المراقبة ونحوه، إلا أنه غير ذلك تماماً، فهو يعنى بممارسي الاستخبارات في القطاع الخاص بشكل قانوني وشفاف لتوظيف ما يتم تجميعه من مصادر المعلومات المفتوحة (OSINT) لتقييم المخاطر المتنوعة الجيوسياسية والأمن المادي ومخاطر الأمن السيبراني لتمكين صناع القرار في القطاع الخاص من فهم التهديدات بشكل أفضل، وتحديد المخاطر بكفاءة، ومواءمة الإنفاق، واتخاذ قرارات أكثر استنارة.
كان عقد الثمانينيات الميلادية، بداية إدخال المعلومات الاستخبارية التجارية في هياكل القطاع الخاص حيث بدأ دمج المعلومات الاستخباراتية التجارية في أقسام التسويق والأمن في الشركات الخاصة، مما أدى لاحقاً إلى زيادة الاهتمام بهذا الفرع من المهن وخلق وظائف جديدة لها في القطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن مسمى «استخبارات القطاع الخاص» أو «استخبارات مخاطر القطاع الخاص» يعد حديثاً نوعاً ما، إلا أن مصطلح «استخبارات» في كل من القطاعين العام والخاص له قدمه في الاستخدام، حيث يعني هنا المنتج النهائي لعملية منظمة تجمع فيها المعلومات الخام ويتم معالجتها وتحليلها للحصول على رؤى توفر لصناع القرار ميزة تساعد لحماية المنظمة من التهديدات، والتخطيط للأنشطة التشغيلية المستقبلية.
على مدار العقدين الماضيين، توسعت استخدامات الفنون الاستخباراتية في القطاع الخاص، استجابة للبيئة التشغيلية العالمية وذلك لتخفيف المخاطر الأمنية وتسهيل اتخاذ القرارات، وأصبحت الشركات الكبرى تستثمر وبشكل متزايد في فرق استخبارات قطاع الأعمال وهو ما أنتج مجتمعاً استخبارياً عابراً للحدود من ممارسي الاستخبارات في القطاع الخاص، وذلك بالشراكة مع ممثلين من شركات الطيران والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا والجامعات والمؤسسات غير الربحية والعديد من القطاعات الأخرى، وما «رابطة محترفي استخبارات المخاطر الدولية»(AIRIP) التي أنشئت حديثًا إلا إحدى الخطى الرئيسة في هذا المضمار.
في الماضي لم تكن «استخبارات القطاع الخاص» مهنة مقننة على غرار القانون أو الطب، إلا أنها تقدمت في هذا المسار واستمر تطورها حتى أصبحت في الآونة الأخيرة تخصصاً محدداً ضمن نطاق الأعمال، بحيث يمكن أن يؤدي التطبيق السليم لمبادئ الاستخبارات إلى تعزيز أداء القطاع الخاص، وتحسين الأوضاع التنافسية العامة للشركات، وزيادة قدراتها على اتخاذ القرار في السياقات العالمية المعقدة بشكل متزايد مثل الأزمة المالية الدولية الحالية.
لقد طور العديد من مقدمي الخدمات في هذا المجال، دورات تدريبية خلال العقد الماضي وأدى ازدياد الطلب عليها ودخول الكثير من الشركات في هذا المجال إلى إعداد وتطوير برامج جامعية لهذا المجال، إلا أنه في الوقت نفسه هناك دورات تدريبية حديثة في محاولة متنامية لتعريف الطلاب بمنظور موسع حول فرصهم المهنية في هذا القطاع المتنامي، فما استخبارات القطاع الخاص إلا مجال يركز على التخفيف من المخاطر الجيوسياسية والأمنية ودعم اتخاذ القرار في هذا القطاع الهام.