وصلني خبر وفاة صديقي: سويلم السليمان، فأصبت بنوبة من الحزن، فبكيتُ وتألمت فأخذتُ أُردد: (إنا لله وإنا إليه راجعون). وهانت عليَّ المصيبة بعد أن عرفتُ أنَّه تُوفي في مكة المكرمة، بعد أن أدَّى العمرة، وصُلِّي عليه في الحرم، فأيقنت أنها بشارة له، وحُسنُ خاتمة!
اللهم ارزقنا وإياكم حسن الخاتمة. ووفاة الأصدقاءِ والِلدَات إنما هي نذير اللهم هَوِّن ميتتنا... تعرفت على سويلم- رحمه الله- في حي سلطانة، فنحن درسنا سويًا في متوسطة البيهقي، وبعدها درسنا في ثانوية موسى بن نصير الثانوية الوحيدة في حي السويدي في ذلك الوقت... وفيها نمتْ صداقتنا وتَرَسَّخت، فأمسينا نلتقي كل يوم بعد المدرسة، ومعنا نخبة في أعمارنا من شباب حي سلطانة، أمَّا نهاية الأسبوع فكانت لنا سهرات، ولنا رحلات، ولنا كشتات وكانت -يشهد الله- كلها بريئة! فيها مسابقات، فيها لعب كرة،
فيها طبخ ونفخ، وفيها مسامرات تُبهِج، وفيها ضحكاتٌ تَرِن، وفيها صداقة تتعمق، وفيها ما هو أجمل من هذا كله: فيها حب لله وفي الله... كان أخي سويلم يمتاز بسماحة خلق، ونقاء قلب، وعِفة لسان لم أرَ مثلها في كل مَنْ صادقتهم!
ومع أننا كنَّا في قمة المراهقة وما يصاحبها من تحولات كبيرة إلا أنَّ هذا الشاب غيرنا كلنا! فلا يوجد في قاموسه: سبٌ، أو شتمٌ، أو حتى همز أو لمز... مع ما يحصل بيننا أثناء لعب الكرة من تحديات وملاسنات! كان طاهر الأخلاق، تكسوه نقاوة جعلته محبوبًا من الجميع! شخصيته من الشخصيات العذبة، السهلة، السمحة، لا حقد، لاحسد، لا غيبة... منذ أن عرفته في المرحلة المتوسطة لم أره يُخطئ على أحد! لذلك عاش محبوبًا من الجميع لا كاره له من أي أحد... كان يرى السلامة عِماد الصداقة: سلامة القلب، سلامة اللسان، سلامة التعامل من كل غش أو ظلم... روحه امتلأت بالجمال، امتلأت بالطهر، امتلأت بالنقاء... تخرجنا من الثانوية، وكل منا لا يدري عن مستقبله لكنه توفيق الله ساقنا إلى الجامعة، أنا التحقت بقسم اللغة العربية - في كلية التربية، أمَّا هو - رحمه الله- فدَرَس علوم المكتبات والمعلومات، تخرجنا سويًا عام 1412 قدَّمنا على التعليم، أنا أخذت خطابي وتوجهت لثانوية حي الشفا، أمَّا هو -رحمه الله- فأخذ خطابه فإذا فيه صدمة! لقد تم توجيهه إلى مدرسة ابتدائية في حي الدخل المحدود! وفي اليوم التالي أخبرني -رحمه الله- أن مدير المدرسة أعطاه جدول اللغة العربية وقال له: ستدرس الصفين الخامس والسادس، ويقول -رحمه الله: حاولت مع المدير أن أُدَرِّس تربية إسلامية، أو اجتماعيات، ولكن المدير رفض، وقال: ما عندنا لك إلا هذا الجدول! ولأنَّه -رحمه الله- صاحب دين وأمانة، ويحمل همًّا يُسأل عنه يوم القيامة، قال: يا راشد إذا ما كان عندك مانع فأرجو أن تُدَرِّسني الدروس التي سأشرحها للطلاب، فضحكتُ في البداية، وقال: يا راشد، أنا والله جاد، فالطلاب أمانة!
وفعلاً بدأتُ في تدريسه قواعد اللغة العربية! فالدرس الذي سيشرحه للطلاب أقوم أنا بشرحه له في اليوم الذي قبله مرةً في بيتنا ومرة في بيتهم، وهكذا حتى أتقن قواعد اللغة تمامًا! كل هذا كان لدينه، وحرصه، وأمانته على طلابه....
اللهم اجعل ما قدَّمه في ميزان حسناته، أضعافًا مضاعفة... وارحمه رحمةً واسعةً وأنزله منزلة الشهداء، والصدِّيقين اللهم آمين...
**
- راشد بن محمد الشعلان