حمّاد بن حامد السالمي
«نواصل الكلام من جديد على قصيدة إمبراطور الروم (نقفور فوقاس)، وهي القصيدة الملعونة التي هجا فيها الإسلام والمسلمين، وهدَّد الخليفة في بغداد (المطيع لله)، وتهكم على العرب والمسلمين، وسخر منهم، كما مر بنا في الجزأين الأول والثاني من هذا المقال: (https://www.al-jazirah.com/2023/20230115/ar2.htm) و(https://www.al-jazirah.com/2023/20230122/ar2.htm)، ففي الأبيات من البيت 32 إلى البيت 62 ؛ تهديد لما تبقى من بلاد المسلمين، وذكر منها: نصيبين والموصل والجزيرة وسامراء وغيرها. يقول هنا في القصيدة المعدة له من ذيل وذنب عربي مسلم أو عربي مسيحي، أو مسلم من غير العرب:
كذاك نصيبين وموصلها إلى
جزيرة آبائي وملك الأقادم
سأفتح سامرا وكونا وعكبرا
وتكريتها مع ماردين العواصم
وأقتل أهليها الرجال بأسرها
وأغنم أموالاً بها وحرائم
«وهنا يُعيّر العرب أهل بغداد؛ بتبعيتهم وخنوعهم لحكم الديالم من الفرس.. ألا ليته رأى عرب اليوم في العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن، الخاضعين الخانعين الخادمين لحكم الفرس المجوس المعاصرين في طهران.. يقول على لسان القصيدة العربية هذه:
ألا شمروا يا أهل بغداد ويلكم
فكلكم مستضعف غير رائم
رضيتم بحكم الديلمي ورفضه
فصرتم عبيدًا للعبيد الديالم
ويا قاطني الرملات ويلكم ارجعوا
إلى أرض صنعا راعيين البهائم
وعودوا إلى أرض الحجاز أذلة
وخلوا بلاد الروم أهل المكارم
«وفي الأبيات التالية؛ يكشف عن نواياه وخططه لحرق وتخريب بغداد في طريقه إلى الأهواز، حيث الديباج وخز السواس:
سألقي جيوشًا نحو بغداد سائرًا
إلى باب طاق حيث دار القماقم
وأحرق أعلاها وأهدم سورها
وأسبى ذراريها على رغم راغم
وأحرز أموالاً بها وأسرة
وأقتل من فيها بسيف النقائم
وأسرى بجيشي نحو الأهواز مسرعًا
لإحراز ديباجٍ وخزِّ السواسم
وأشعلها نهبًا وأهدم قصورها
وأسبي ذراريها كفعل الأقادم
«ثم لا يكتفي بذلك، حيث يسير بجيوشه الجرارة إلى كل البلدات والممالك الإسلامية في آسيا كافة. يقول:
ومنها إلى شيراز والري فاعلموا
خراسان قصري والجيوش بحارم
إلى شاس بلخ بعدها وخواتها
وفراغنة مع مروها والمخازم
وسابور أهدمها حصونها
وأوردها يومًا كيوم السمائم
وكرمان لا أنسى سجستان كلها
وكابلها النائي وملك الأعاجم
إلى واسط وسط العراق وكوفة
كما كان يومًا جندنا ذو العزائم
«أما إذا انتهى من ذلك كله بالسحق والمحق والتخريب والتهديم؛ فإنه عازم على السير نحو مكة قبلة المسلمين كافة، وهو يعلم مدى تأثيرها في قلوب مسلمي الأرض قاطبة. ثم يلحق بها نجدًا وتهامة وصنعاء وكل اليمن. يقول:
وأخرج منها نحو مكة مسرعًا
أجر جيوشًا كالليالي السواجم
فأملكها دهرًا عزيزًا مسلمًا
أقيم بها للحق كرسي عالم
وأحوي نجدًا كلها وتهامها
وسرًا واتهام مذحج وقحاطم
وأغزو يمانًا كلها وزبيدها
وصنعاءها مع صعدة والتهائم
فاتركها أيضًا خرابًا بلاقعًا
خلاء من الأهلين أهل نعائم
وأحوي أموال اليمانين كلها
وما جمع القرماط يوم محارم
«ثم إذا تم له ما يراد في مكة والحجاز ونجد والتهائم واليمن؛ فإنه سوف يعود بجيوشه وعتاده التدميري إلى القدس، حيث يصبح ملك ملوك الأرض، ويسجد له الكل، وتخلو الأرض من كل مسلم إلا هو وجيشه والمسيحيين من حوله. هكذا يحلم. يقول:
أعود إلى القدس التي شرفت بنا
بعز مكين ثابت الأصل قائم
وأعلو سريري للسجود معظَّمًا
وتبقى ملوك الأرض مثل الخوادم
هنالك تخلو الأرض من كل مسلم
لكل نقي الدين أغلف زاعم
«أما إذا خلت الأرض له من كل مسلم كما يتمنى؛ فإنه يعدد الأسباب التي أدت إلى انتصار الروم على المسلمين ومنها - كما يقول- جور ولاة المسلمين، وبيع القضاة دينهم بالرشوة، وانتشار شهادة الزور، والبرطيل (الرشوة)، لهذا فهو يعد بأنه سوف ينشر دين الصليب بالسيف:
نصرنا عليكم جارت ولاتكم
وأعلنتموا بالمنكرات العظائم
قضاتكم باعوا القضاء بدينهم
كبيع ابن يعقوب ببخس الدراهم
عدو لكم بالزور يشهد ظاهرًا
وبالإفك والبرطيل مع كل قائم
«ويختم قصيدته الملعونة؛ بتمييز دين عيسى عليه السلام، وأنه علا فوق السماوات، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ مودع في التراب، وأن طائفة من المسلمين بعد موته؛ تناولت أصحابه بالسب والشتم، وعرّضت بمحارمه.. يعني (الشيعة). يقول:
سأفتح أرض الله شرقًا ومغربًا
وأنشر دينًا للصليب بصارمي
فعيسى علا فوق السموات عرشه
يفوز الذي والاه يوم التخاصم
وصاحبكم بالترب أودى به الثرى
فصار رفاتًا بين تلك الرمائم
تناولتم أصحابه بعد موته
بسب وقذف وانتهاك المحارم
«هكذا إذن يجد حاكم رومي طاغية ممن يتكلم العربية؛ من يبني له مطية شعرية، يعتليها لتهديد خليفة المسلمين، وتحقير المسلمين كافة، والتهكم والسخرية بكل حكام وممالك العرب والمسلمين في عصره.. الذيول والأذناب من أهل اللسان العربي؛ لهم حضور ووجود من زمن نقفور اللعين إلى يوم الناس هذا. لم يموتوا.. فها نحن نراهم يعيثون فسادًا في بلدان عربية مثل: العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن. ما أشبه ليلتنا ببارحتهم.
«ثم نتساءل في ختام هذا الجزء من المقال: هل وقف علماء وشعراء العرب والمسلمين في تلك الحقبة؛ موقف المتفرج من مهزلة القصيدة الملعونة..؟ سنرى ابتداءً من الجزء القادم من المقال.