خالد بن حمد المالك
لا أقصد بالاكتشاف المعنى الحرفي، أو المدلول اللغوي له، فالعلا تضرب جذورها في عمق التاريخ، بل ما قبل التاريخ, بقبورها، ونحت تماثيلها، ونقوشها، والحضارة الدادانية التي مرت بها، وارتباطها بالعصر الروماني، وحيث تتميز بموقعها منذ القدم كونها ملتقى الطرق التجارية، ومقصد الرحالة، والطريق إلى الحج.
**
وإذا علمنا بأن بعض قبور حجر تعود إلى ما قبل خمسة آلاف وألفي سنة قبل الميلاد، وأن بعض القطع الصواتية في حرة عويرض التي عثر عليها تعود إلى العصر الحجري القديم، وأن حجر موجودة في العصور القديمة، والفترة الإسلامية، والوجود العثماني، أدركنا أهمية هذه المحافظة الجميلة، وسر اهتمام محمد بن سلمان بها.
**
والاكتشاف الذي أعنيه وأقصده من هذا العنوان لهذه السلسلة من المقالات هو هذا الاندفاع الجميل في تطوير المحافظة، لاسترداد قيمتها الحضارية، وأهميتها لتكون رافداً لتاريخ المملكة, وجاذبة من خلال ما تختزنه العلا من كنوز أثرية، وتاريخ بهي، وموقع ليس له ما يماثله، وحضارات مرت بها, جبالها، وسهولها. ومزارعها، وناسها الطيبين.
**
كانت العلا أحد خيارات اللفتة الأميرية، وضمن طموحات الأمير محمد بن سلمان الذي بشّر بها، فإذا به يستعيد اكتشاف أهميتها من جديد، ويغدق عليها من المال، والأفكار، والتخطيط، ما جعلها مقصداً للزائرين، أجانب ومقيمين، حتى أن من يزورها يشعر وكأنه في مدينة غير التي يعرفها، نسبة لتنوع جنسيات زوارها من الداخل والخارج، ونمط الحياة وما أثّر فيه هذا التطور الذي يقوده ولي العهد، وينفذه مجموعة من الشباب السعودي المتمكن.
**
خلال ثلاثة ليالٍ هي فترة إقامتي أثناء زيارتي وأسرتي السياحية للعلا لم يكن الوقت كافياً للتعرّف على كل شيء، فقد هزمني الوقت، فلم يسعفني في الاطلاع على كل التفاصيل، غير أن ما لم أقف شاهداً ومشاهداً لما كان هناك، عوضني عنه حديث الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية للعلا المهندس عمرو المدني، والمتحدث الرسمي والمسؤول الإعلامي بالهيئة الأستاذ عبدالرحمن الطريري وآخرون من الشباب الكفء خلال حفل غداء في موقع ساحر، وإطلالة جميلة، وكل العلا - بالمناسبة- غنية بجمال المواقع، وتنوع سمائها, وإثارتها للزائر كي لا يتردد في الاطلاع على كل شيء فيها.
**
في العلا (الحجر) أكثر من مائة مدفن منحوتة في الصخور، ومن خلال هذه القبور أمكن التحقق من أن هذا المكان كان موطناً قديماً للسكان، وهناك أدلة تشير إلى حقيقة هؤلاء السكان، ونمط حياتهم، وكيف كانوا يعيشون في (الحجر) إحدى أهم مدن مملكة الأنباط.
**
يتحدث الكتاب الاستكشافي الذي يوزع مجاناً على الزوار عن أن الأنباط كانوا يقومون بزخرفة المقابر بهدف تقديم رسالة، فكانت هذه الرموز المنقوشة على الصخور، حيث نحت الحيوانات، والزهور، والآلهة، والمخلوقات الأسطورية، كما أن هذه الرموز لها هدف آخر وهو: حماية المقابر، وحماية أحبائهم، وتعد مقبرة (لحيان بن كوزا) إحدى أكبر المدافن في الحِجْر، وحجمها وموقعها يدلان على أنها تعود إلى أحد الأشخاص أو العائلات الهامة.
**
هناك إشارة أخرى مهمة في الكتاب الاستكشافي لمدينة الحجر، وهي أن هناك سمات مشتركة بين المدافن والمعالم الأثرية، التي تعود إلى اليونان وروما وإفريقيا وآسيا في عصرنا هذا، مما يوضح بحسب ما تداوله المختصون أن شعوب هذه الحضارات كانت معروفة تماماً لأولئك الذين يعيشون هنا، كما يحتمل أن يكون الأنباط قد ذهبوا إلى تلك المناطق، أو جاء قاطنو هذه المناطق من هناك إلى الحجر، وهو ما يعني أن منطقة الحجر كانت ذات يوم مكاناً مهماً ومشهوراً.
**
ما أسعدني في زيارتي وأسرتي للعلا، أن هذه المحافظة تتمتع بمرونة وسخاء في الصرف عليها, وأن الهيئة الملكية للعلا ترتبط بالأمير محمد بن سلمان شخصياً، وأن سموه بوصفه رئيس مجلس إدارة الهيئة لا يراقب العمل فيها عن بعد، وإنما هو في زيارات دائمة ومتواصلة يتفقد ما أنجز بنفسه، ويطمئن على سير العمل بحسب ما خطط له، وفي الفترة الزمنية المحددة لكل مرحلة من مراحل التطوير، وكانت مصادفة تواجد سموه بالعلا أثناء تواجدي وأسرتي هناك، اهتمام الأمير يعني أننا أمام إنجاز عظيم, وتطور مذهل لجزء غالٍ ومهمٍّ من أرض البلاد، وليس بوسعنا إلا أن نهنئ وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله الفرحان آل سعود محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا والأجهزة التنفيذية في الهيئة الملكية للعلا التي تعمل بتفانٍ وإخلاص لإنجاز ماهو مطلوب منها.