عبدالرحمن الحبيب
لأول مرة منذ الستينيات، يتقلص عدد سكان الصين، لينتهي بذلك عهدها الطويل باعتبارها البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم.. وكانت بيانات حكومية سابقة قد حذرت من أزمة ديموغرافية؛ بسبب سياسة «الطفل الواحد»، فألغيت تلك السياسة عام 2015 بعد الإدراك بأنها ساهمت في شيخوخة السكان مؤدية إلى تقليص القوة العاملة، لتزيد العبء على الرعاية الصحية وتكاليف الضمان الاجتماعي وقد تضعف النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، فيما يحذر الخبراء من أن هذا الاتجاه، في حالة استمراره، قد يؤثر سلباً على بقية العالم، فالصين تلعب دورًا رئيسيًّا في دفع النمو العالمي باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن بول تشيونغ، كبير الإحصائيين السنغافوريين السابق يقول «إن السيناريو ليس كارثياً.. فالصين لديها الكثير من القوى العاملة، ومهلة زمنية طويلة لإدارة التحدي الديموغرافي».
بلغ عدد سكان الصين العام الماضي 1.4118 مليار نسمة، في انخفاض بمقدار 850 ألفاً عن عام 2021. وكانت الحكومة الصينية سمحت للأزواج بإنجاب طفلين، ولكن استمر تراجع معدل المواليد، فسُمح مرة أخرى بإنجاب ثلاثة أطفال، إنما مع ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والارتفاع الشديد في أسعار العقارات وساعات العمل المرهقة تجعل تربية أكثر من طفل أمرًا صعبًا ومكلفًا ومن ثم يتوقع الخبراء تواصل التراجع في عدد السكان.. تقول يو سو، الخبيرة الاقتصادية: «سيستمر هذا الاتجاه وربما يزداد سوءاً بعد كورونا.. معدل بطالة الشباب المرتفع والضعف في توقعات الدخل قد يؤخر خطط الزواج والولادة أكثر مما يؤدي إلى انخفاض عدد المواليد الجدد».
كما يقول بعض الخبراء إن السبب في عدم زيادة المواليد هو أن السياسات شجعت على زيادة الولادة لكن لم تكن مصحوبة بجهود لتخفيف عبء رعاية الأطفال، مثل المزيد من المساعدة للأمهات العاملات أو الحصول على التعليم (سي إن إن). لذا قامت الصين بتعزيز إجازة الأمومة وتقديم خصومات ضريبية وامتيازات أخرى للعائلات. وتقول بوساراوان تيراويتشيتشينان، مديرة مركز جامعة سنغافورة الوطنية لأبحاث الأسرة والسكان، إنه بصرف النظر عن تقديم حوافز لإنجاب الأطفال، يجب على الصين أيضاً تحسين المساواة بين الجنسين في الأسر وأماكن العمل.
عام 2022 حصل تراجع قياسي في عدد الولادات، بمعدل 6.77 ولادة لكل ألف شخص منخفضاً من 7.52 في عام 2021، بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاء. بالمقارنة، في عام 2021، سجلت الولايات المتحدة 11.06 ولادة لكل ألف شخص، وسجلت في بريطانيا 10.08 ولادة لكل ألف شخص، بينما بلغ معدل المواليد في نفس العام في الهند 16.42 ولادة للألف نسمة (سي إن إن).
الهند، وللمرة الأولى، تعد الآن أكبر دولة في عدد السكان وليس الصين، فالهند لا زالت تنمو سكانياً مما له أهمية في التركيبة السكانية خاصة حجم الفئة العمرية العاملة، فالهند لديها الآن أكبر فئة عمرية عاملة بالعالم، وبحلول 2026، سيكون متوسط العمر في الهند 29 عاماً وهو الأقل في المتوسط العالمي حسب صندوق النقد الدولي.. هذا قد يؤدي إلى ما يعرف بالعائد الديموغرافي الذي يعني، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان: «إمكانات النمو الاقتصادي التي يمكن أن تنتج عن التحولات في الهيكل العمري للسكان، خاصة عندما تكون حصة السكان في سن العمل (15 إلى 64) أكبر من نسبة السكان خارج سن العمل (14 وأصغر و65 وما فوق)» مع الأخذ في الاعتبار عدم نمو البطالة. بعبارة أخرى، «زيادة في الإنتاجية الاقتصادية تحدث عندما يكون هناك عدد متزايد من العاملين بالنسبة لعدد المعالين». خذ مثالاً الصين من عام 1979 بدأت في سياسة الطفل الواحد وكانت الفئة العمرية العاملة في ذروتها.. الحالة الهندية بدأت متأخرة بنحو ثلاثين عاماً، والمتوقع استمرارها إلى حوالي 2050، وسيكون النمو الأكبر في العقد القادم..
إذا كانت الهند تنمو سكانيًّا والصين تتراجع، فإنه نظرًا لدورها القيادي في الاقتصاد العالمي، يمكن أن يكون لتحديات الصين تداعيات على بقية العالم خاصة من ناحية المنافسة مع الولايات المتحدة ودخول الهند كمنافس، ويتوقع الخبراء أن تنضم الهند قريبًا إلى نادي القوى العظمى مع أمريكا والصين وروسيا..
إلى أين يتجه النمو السكاني؟ يقول زهيوي تشانغ، الرئيس وكبير الاقتصاديين في شركة Pinpoint Asset Management في هونج كونج: «من المرجح أن يتجه عدد السكان نحو الانخفاض في السنوات القادمة، هذا مهم للغاية، لما له من آثار على النمو الاقتصادي المحتمل والطلب المحلي». ستواجه الصين تحديات اقتصادية كبيرة مع تقلص قوتها العاملة وزيادة عدد المتقاعدين فيها كما يوضح فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين في بنك HSBC في آسيا: «يدخل الاقتصاد الصيني مرحلة انتقالية حرجة، ولم يعد قادرًا على الاعتماد على قوة عاملة وفيرة وتنافسية التكلفة لدفع التصنيع والنمو».
لكن ليست زيادة عدد السكان أو ارتفاع الخصوبة هي العامل الرئيسي بل نمو الإنتاجية والهيكلة الاقتصادية حسب الخبراء، يقول ستيوارت جيتيل باستن، أستاذ السياسة العامة بجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا: «إن تعزيز الخصوبة لن يؤدي إلى تحسين الإنتاجية أو زيادة الاستهلاك المحلي على المدى المتوسط.. كيف ستستجيب الصين لهذه القضايا الهيكلية سيكون أكثر أهمية».