تعتبر الأخلاق الاجتماعية أساس كل دعوة إجابية متفاعلة مع ممارسات المرء في هذه الحياة لأن بواسطة هذه الأخلاق فإن المعاملات تمارس ويقع التفاهم بين البشر والتزام الأمور الإنسانية بهذا المجال من الأخلاق والشّعور بما تقتضيه وتهدف إليه من إبراز الخير والمحبة والمودة بين الناس مما جعل للتضامن الاجتماعي شمولية عامة ولا تستقيم أحوال الأمَّة والأفراد والجماعات إلاَّ بها، ولا تتحقق للمجتمع طموحاته وتطلعاته في التّنمية والتّطور والتّقدم والعلو والارتقاء ما لم تغرس فيه أخلاق التضامن الاجتماعي, فقد جاء الإسلام بدعوة تعزز وترسخ روح التّضامن في نفوس البشريَّة كافَّة حتَّى تسود بينهم المودَّة والرحمة - أسمع قول نبيِّ الرحمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السَّماء).
فإن إخراج الزكاة بالطريقة الشرعية يجسد التضامن الاجتماعي الحقيقي بين أفراد الأمة ويعزز مكانة الإنسانية في الوجود، وغيرت المفاهيم التعاملية بين الناس فتحولت من العنف إلى اللطف ومن القسوة إلى الرحمة ومن الاستغلال والاستبداد إلى الحرية والمساواة ومن هنا يتضح الفرق بين التضامن كواجب وشعور ناتج عن رهف الإحساس وداخل في باب الإحسان - لأن مسألة الإحسان اختيارية وتطوعية فيها شعور بالنعمة وشكر للمنعم على إنعامه وهي عملية شمولية لا حدود لها يمكن أن تتعدى الإنسان إلى الحيوان وإلى جميع المخلوقات المستحقة للرحمة والشفقة والإحسان عملاً بقول الله عز وجل: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، ثم قال الباري عزوجل وهو أصدق القائلين: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
مع هذه الأهداف السامية والغايات النبيلة فإن العقل البشري يتقبل هذه التوجيهات واسترشد الناس بهذه الدعوة واستجابوا لها فساد خلق التضامن بين كافة البشر فقد هذب الإسلام هذا الخلق وجعله سامياً ومتكاملاً.
فإنني لا أريد التطفل على تحليل المواضيع بصورة عشوائية فقد تركت الأمر لأصحاب الاختصاص من الفقهاء والعلماء وذوي الإلمام بالعلوم الشَّرعيَّة وأكتفي بالإدلاء بدلوي المتواضع عن الأمور الطبقية والموازنة وأحاول بقدر الإمكان أن أعالج هذا الجانب من حيث كونه ذا صلة بالتفاوت في الأرزاق.
فقد فضّل الله العباد فيما بينهم في الأرزاق فإن المجتمعات الحديثة تحاول بقدر المستطاع أن تمارس الحياة الاجتماعية على أسس تضمن للأفراد حقوقهم الضرورية وتوفر لهم حاجياتهم الأساسية وتعايشهم وتضامنهم الاجتماعيِّ وهذه الأفضلية بها ما يبررها من حيث كونها قاعدة لإقرار التوازن في هذه الحياة البشرية فإن تواجد الفوارق شيء طبيعي لا مفر منه سواء في المجال الصحي أو المالي أو الفكري أو الغنى أو الفقر.
إن أفكار البشر وخاصة الأذكياء أو الأغبياء أو ذوو المواهب المتعدِّدة أو النجباء أو البلداء أو ذوو الغفلة المطلقة - فقد يتفاوت السعي الفردي في الطاقات والإنتاجية والمردودية وفاعلية التفكير والعطاء وحتى الجانب الاستهلاكي إذا صح التعبير فليس من المنطق أن نساوي بين طبقات المجتمع لأن التسوية هنا تعتبر ظلماً لأن اجتهاد الضعيف لا يطابق اجتهاد القوي وهذا الفرق حدده القرآن الكريم في الكثير والكثير من الآيات الكريمات فسوف أورد منها فقد قال الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه الكريم: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} سورة النجم آية (39-41).
والمحصلة من هذا القول الحكيم هو عمليَّة استمرارية روح التنافس الإيجابي بين الناس وحفزاً للهمم العالية ودعماً للتوازن وتفجيراً للمواهب والعبقريات المبدعة التي تصنع التاريخ وتبني الأمجاد الخالدة للأمم والشعوب وبذلك تبقى هذه الأفضلية سائدة في القوة والضعف وفي الفكر والتفكير وفي الغِنى والفقر وفي الأرزاق - وهكذا تستمر الفوارق عبر العصور والأزمان في العيش والتعايش معاً.
وجاء الإسلام بالحلول المناسبة التي تصلح كافة أحوال البشر وتصحح أوضاع المجتمع وتحمي الفرد والأسر من الفاقة والعوز والتشرد والضَّياع وما نلاحظه على وجه العموم من تأخر وأحقاد وأحساد وظلم إنما هو من سوء فهم لما جاء به ديننا الإسلامي.