سمر المقرن
أستمتع جداً، بالتعمق في عادات الشعوب في مختلف المواسم. وبما أننا هذه الأيام في الشتاء فهناك عادات قد تكون غريبة علينا أو غير مفهومة، والجميل في هذا هو البحث في هذه العادات ومعانيها، وأخذ المعاني الجميلة منها وترك ما لا يتوافق مع أفكارنا.
في مختلف دول العالم هناك عادات خاصة لموسم الشتاء، وسوف أبدأ باليونان التي عشت فيها ثلاث سنوات وتعرفت على أهلها وناسها، والجميل في هذا الشعب هو عاداته الممتدة من أيام ما قبل الميلاد من داخل الثقافة الإغريقية المتشعبة في معاني الحياة وفلسفتها الطاغية في الثقافة. لدى الشعب اليوناني إيمان راسخ بالأرواح الشريرة لذا تجد البيوت اليونانية ومنذ أواخر شهر ديسمبر من كل عام وحتى بدايات شهر يناير يشعلون النيران داخل منازلهم للتدفئة بلا شك، لكنهم في هذه الأيام تحديداً يطوون حول الصليب الخشبي الموجود في معظم البيوت أغصان الريحان وتترك معلقة طيلة هذه الأيام اعتقاداً منهم أن هذه العادة تطرد الأرواح الشريرة عن بيوتهم.
ومن اليونان إلى اليابان، حيث إن لديهم يوماً مخصصاً في بدايات شهر يناير حيث يقوم الناس بحرق الأغراض غير المرغوب فيها اعتقاداً منهم أن التخلّص منها يُبعد عنهم سوء الحظ في العام الجديد. وبعد هذا اليوم يقوم اليابانيون باحتفال (النار) حيث تُشعل النيران على أعمدة ثم يخرجون بملابس جديدة يتجولون في المدينة في فكرة تتشابه مع اليونان وهي طرد الأرواح الشريرة.
بالمناسبة، الأرواح الشريرة أيضاً موجودة في ثقافتنا الإسلامية وإن اختلفت مسمياتها، فالشيطان الذي دائماً ما نستعيذ منه، هو الروح الشريرة في الثقافات الأخرى، وكذلك «الجن» المؤذية التي تتلبس بالبشر وحتى الأشباح كوصف أشمل.
ومع أن كل هذه الأفكار تم التعارض معها بالتقارير العلمية، خصوصاً علم النفس وعلم الفيزياء، إلا أن التراث الديني يظل الأقوى في التسليم بوجود هذه الكائنات الشريرة وإمكانية تلبسها في أجساد الناس وإصدار أصواتٍ تتحدث نيابة عن الإنسان الملبوس أو الممسوس، وقد تؤدي هذه الكائنات الشريرة إلى تشنج الشخص أو حتى إلى موته كما نرى في بعض البرامج واللقاءات والفيديوهات المنتشرة عبر فضاء التواصل الاجتماعي.
من وجهة نظري الشخصية، أؤمن بوجود الأرواح الشريرة بعيداً عن كل هذه الثقافات وطقوسها الشتوية، لكنني أؤمن بأنها أرواح أشخاص نراهم على أرض الواقع قد يكونون مقربين منّا يستمتعون بإيذاء الآخرين والنيّل منهم، ويقتاتون على الكراهية والبغضاء، وطرد هذه الأرواح من حياتنا قد يبدو أصعب بكثير من جني أو شبح أو شيطان عالق في أذهاننا.