خالد بن حمد المالك
حين يجول الزائر لمحافظة العلا بين جبالها وآثارها في الحجر، ويشاهد ما تتميز به الحجر من آثار موغلة في القدم، ويقف بنفسه على حجم وأهمية هذه الكنوز الأثرية، وقيمتها التاريخية، يدرك أنه أمام محافظة تتحدث مدافنها وجبالها ورسوماتها عن جزء حي في هذه الأرض منذ آلاف السنين، وأنها كانت مأهولة، وتعج بالسكان، وأن هذه الآثار والهياكل التي يلفها الغموض قد تم فك رموزها، والتعرف على أسرارها، بما يؤكد على البعد التاريخي والإنساني في هذا الجزء من أراضي المملكة العربية السعودية، ولا غرابة في ذلك فقد كانت الحِجْر من أهم المدن في مملكة الأنباط، وإن كانت قد اختفت، إلا أن آثارها ما زالت باقية تتحدث عنها.
* *
نعم كانت للمدافن أسرارها من حيث الطريقة التي يتم بها تكفين الموتى، وما يتم تركه ودفنه إلى جانب الجثامين من أوانٍ ومصابيح وأجراس في المقابر وغيرها، ويفسر المختصون ذلك بأن دفنها في المدافن إلى جانب الموتى ربما كان الغرض منه - كما كان الاعتقاد - أن يستخدمها الميت في الحياة الآخرة، كما كان قد استخدمها في الحياة الدنيا، وهذا المفهوم يتفق مع طقوس الديانات في ذلك الزمن الذي يعود إلى ما قبل الميلاد.
* *
ولكي نقترب أكثر من تاريخ هذه المنطقة بكل هذا الثراء التاريخي والتراثي فيها، وبالتفاصيل الجامعة بين ما كانت عليه، وبما أصبحت تمر به اليوم من تطور مذهل بفضل الدعم السخي الموجه لإقامة المشروعات بمثل ما رأيتها حين زيارتي لمحافظة العلا، وما أحدثته الهيئة الملكية للعلا من نقلة نوعية زاوجت بين ما هو قديم وما هو حديث في جميع المشروعات، يتأكد بما لا لبس فيه بأن الحجر ستظل محافظة على شخصيتها كمنطقة تحتضن كل هذه الآثار التي تعود إلى آلاف السنين.
* *
وأن يكون المواطن وغير المواطن في أجواء الحراك الذي يجري في هذه المحافظة، ويقف بنفسه على العمل المتواصل الذي يجري هناك، ويلم بالتوجه الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان لتكون العلا واحدة من أهم وجهات السياحة في المملكة، بعد أن عانت - مع أهميتها - سنين طويلة من الإهمال والتهميش، ما جعلها مغيبة، وإن شئت فقل مجهولة، إلا لدى الباحثين والدارسين، ومن هو مختص في علم الآثار، أن يكون المواطن وغير المواطن على علم بذلك، فهذا يتطلب منه زيارة محافظة العلا، والوقوف على الآثار في الحجر عوضاً عن الاكتفاء بقراءاته عنها.
* *
وليس صحيحاً ما قد يقال من أن القراءة عن هذه المنطقة تغني عن زيارتها، وتكفي عن الوقوف على كنوزها من الآثار، فمن شاهد ليس كمن قرأ أو سمع، وما شاهدته شخصياً خلال زيارتي للعلا أذهلني، وصحح كثيراً من انطباعات محدودة وناقصة كانت لديّ عن الحجر، ولهذا فإن التجهيزات والإمكانات التي تتمتع بها محافظة العلا أصبحت كلها مغرية لتكون واجهة سياحية للزوار، وبالتالي جاذبة للناس كي يزوروها.
* *
لقد كانت بداية هذه الانطلاقة المباركة لمحافظة العلا حين صدر الأمر الملكي في 20-7-2017م بإنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتشكيل مجلس إدارتها برئاسة الأمير محمد بن سلمان، والبدء فوراً بالعمل على تطوير المنطقة، وتوفير كل ما يتطلبه ويحتاجه الزائر والسائح لها، ليقضي أجمل الأوقات في منطقة أشبه ما تكون بمتحف غني بالآثار والمعلومات التاريخية، مع توفر كل الخدمات من فنادق ومقاهٍ ومطاعم وتسوق وُجدت كلها لخدمة الزائر والسائح.
* *
ولا يمكن أن تنسى ما تشهده محافظة العلا في موسم الشتاء من مهرجانات سنوية، فنية واقتصادية وثقافية، ويكفي أن أشير إلى موسم شتاء طنطورة، والطنطورة هي الساعة الشمسية في محافظة العلا لتحديد وقت دخول موسم الزراعة ومربعانية الشتاء، وهو معلم تاريخي قديم، وظفته الهيئة الملكية ليكون مناسبة لكثير من الفعاليات الترفيهية والثقافية والاقتصادية حاملاً اسم (شتاء طنطورة) بوصفه اسماً تاريخياً وذا دلالة لساعة شمسية للاستدلال بها على التوقيت المرتبط بدخول موسم الزراعة وكذلك المربعانية.
* *
وفي ختام هذه السلسلة من المقالات، لابد لي من التذكير بما يقوم به ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الهيئة الملكية لمحافظة العلا من جهد وعمل وعطاء، وأيضاً ما تقوم به أجهزة التنفيذ بدءاً من وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان بوصفه محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وكذلك الجهاز التنفيذي بقيادة المهندس عمرو المدني الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية وكوكبة الشباب المتميز الذين يعملون معه على مدار اليوم، وكنت سعيداً بالتعرف على كثير منهم.