د. عبدالحق عزوزي
انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لـ»مركز عيسى الثقافي، رئيس مجلس أمناء «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي»، ومؤسس ورئيس مجلس أمناء «منتدى البحرين للكتاب»... عرفته جيداً في إطار منتدى الفكر والثقافة (تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية) الذي كان واحداً من مؤسسيها وأعضائها، وكنا نحن المثقفين العرب تستوقفنا ابتسامته الدائمة ونبوغه اللامتناهي ودبلوماسيته التي ظهر بها وسط نظرائه، وبمواقفه الوطنية الرائدة، وإنجازاته العلمية العديدة، وكذا المسؤوليات السامية التي تحمل أعباءها بكفاية فائقة وخبرة كبيرة، في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والسياسية على مدى عقود، ونهض بها في إقبال على الحياة بتفاؤل واستبشار...
وبقدر ما تمرس المرحوم على الدرس والبحث، بقدر ما تمرس على العمل المؤسساتي، فتوهجت أفكاره وترسخت قناعته، فأضاف إلى الفكر المشاركة وإلى التساؤل الفعل... وبذلك كان المرحوم شاهداً وحاضراً ومشاركاً...
شرفني المرحوم في بيتي في فاس، وكنا نتحدث الساعات الطوال في العلم والأدب والتاريخ والديبلوماسية وغيرها من المواضيع المتنوعة؛ وساهمنا معه تحت مظلة الدكتور جمال سند السويدي في جعل منتدى الفكر والثقافة (تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية) هيئة علمية بحثية تمثل عدداً من مراكز البحوث والدراسات العربية والأفراد المختصين ولها شخصية اعتبارية مستقلة، وتخضع في ممارسة اختصاصاتها لأنظمتها وقواعدها، وتسعى إلى تحقيق أهدافها وعلى الأخص منها: دعم متخذي القرار في دول المراكز البحثية العربية الأعضاء في التحالف ورفع الوعي لدى الرأي العام العربي، وتوفير الرؤية السياسية المعمقة لصياغة القرارات السياسية العربية وإثراء الحياة العلمية... ثم إن القضايا التي تناقش في هاته المنتديات هي ليس فقط سياسية وجيو-إستراتيجية وإنما أيضاً تنموية وصناعية وتحديثية وتربوية وتعليمية أي كل ما يتعلق بتنمية الوطن العربي في ظل ما يعرفه العالم من تطورات متسارعة في ظل الثورة الصناعية الرابعة، والتي يجب على الدول العربية الأخذ بأبجدياتها واستبطانها وتطويرها للتواجد داخل النظام الصناعي والاقتصادي العالمي المربح.
ويصح لنا القول إن كل الملتقيات التي قام بها التحالف تتعدى من حيث المضمون ما عهدناه في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالعمل العربي المشترك أولاً لأن لها طابع الديمومة، فما توقفت اجتماعاتنا الدورية ولا ألغيت ولا أجلت، ولا بخل الاستراتيجيون والمفكرون من المشاركة وإثراء محاور اللقاء؛ وثانياً فهي تتحرى الموضوعية والعلمية فلا مجال لاستعمال الأنا والابتعاد عن أصول المناهج العلمية الهادفة، وثالثاً فهي تسعى أن يكون هناك عمل عربي مشترك يحفظ للأمة العربية كيانها وسلامة أراضيها واستقرار شعوبها ورفاهيتها، ورابعاً أن هذا الاتحاد زيادة على تقديمه للحلول فهو أصبح آلية للتخطيط تساهم لا محالة في صياغة براديغمات وأطر فكرية لتحديد طبيعة المشاكل التي تواجه المنطقة العربية والتطور الإنساني والمجتمعي في المستقبل، وهذا العمل هو الذي يمكن أن يوجه قرارات القادة السياسيين ووضع حلول وبدائل مستقبلية وخامساً وأخيراً فأية استراتيجية ممكنة فهي فكرية بالدرجة الأولى قبل أن تصبح سياسة عمومية لنداوي بذلك مرض العقل والواقع العربيين وللإجابة عن معضلات البناء التنموي والنهضوي والوحدوي ومقاومة التطرف والإرهاب، وللتموقع الجيد في النظام العالمي الجديد حيث العولمة لا ترحم إلا من يجيد فهم قواعد اللعبة والذكاء الاستراتيجي.
وفي إطار أنشطة التحالف نظمت المؤتمرات والمنتديات واللقاءات التالية وفي البلدان التالية:
في أبو ظبي (1 شتنبر2015)، في المنامة (مارس 2016)، في الرباط (شتنبر 2016)، في القاهرة (إبريل 2017)، في عمان (شتنبر 2017)، في الرياض (إبريل 2018)، في أبو ظبي (أكتوبر 2018)، في البحرين وشرم الشيخ (إبريل 2019)، ندوة افتراضية بسبب أزمة كوفيد (مارس 2021)، وفي الرباط (يونيو 2022)، وتناولت تباعاً مواضيع «تحالف عاصفة الفكر»، «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب... آفاق ومستقبل»، «نحو إستراتيجية أمنية متعددة الأقطاب»، «دور الأمن القومي العربي في عصر جديد»، «التنمية والتعليم والإعلام في مواجهة التطرف»، «التدخلات والتمدد الإيراني في الخليج والوطن العربي»، «المستقبل العربي في عصر التكنولوجيا»، «مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي»، «النظام العالمي في ظل جائحة كورونا»، «العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة».
فالله أسأل أن يتغمد الفقيد برحمته و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.