سهام القحطاني
تُعتبر النظرية النسوية من النظريات الفكرية التي يُمكن تصنيفها ضمن النظريات الجدلية؛ لأن ظهورها كان بمثابة ثورة على المجتمعات الغربية لعلاقتها بالمرأة لتُعيد الحكاية القديمة إلى دائرة الضوء، حكاية المرأة والرجل.
تظل علاقة المرأة بالرجل كثنائية وعلاقة المرأة بالمجتمع كنسق وعلاقة المرأة بالتاريخ كإشكالية فكرية مثار جدل في كل زمان ومكان، لا تبرأ من صراع حتى تنزلق إلى آخر، وكأن قدر المرأة لا يسمح لها باستراحة محارب وألا تترجل عن صهوة جواد المعركة؛ لأن تلك العلاقة في مستوياتها الثلاثة تظل حيّة بفعل الخلافات على مدى تراتبية القيمة والقدرة والكفاءة ومقارنات التناظر والاتهامات نيابة عن التاريخ تارة والواقع تارة أخرى، وهذه الحيوية غالباً هي التي تجعل نار صراع المرأة مع المجتمع غير قابلة للانطفاء.
ومن المتفق عليه سواء بالتصريح أو التأويل أن أصل الدين ليس طرفاً في هذه الحكاية، وإن كنت سأعرض هنا جذر الأصل لا تفاصيله ؛ لأنه ليس طرفاً في الصراع.
كانت قضية المرأة من القضايا الكبرى التي وردت في القرآن الكريم وفي آيات كريمة متعددة؛ وهي آيات تؤكد على «حق المرأة في الحياة» وتحريم قتلها سواء بالموت الحقيقي أو المعنوي كالتمييز والنبذ، وهذا الحق لا ينحصر في الوجود المادي الحيّ بل يشمل «حق المساواة في القيمة والمسؤولية والأثر والاستقلال مع الرجل» وجعلها مصدر الحياة والتطور كالرجل، وهذه المشاركة هي ضمان استحقاق مطلق لا يخضع لمزيدات الاكتساب وشروط المنح.
إن وجود نموذج لا يعني إقرار تعميم؛ لأن النموذج قد لايمثل مسطرة قياس موضوعية أو مؤشراً لكامل النفي أو كامل الإثبات.
وهذا ما جعل البعض يذهب إلى أن ما مرّت به المرأة العربية قبل الإسلام من اضطهاد وتمييز ونبذ هو أمر غير موضوعي من خلال الواقع وأنها حالة فردية إن وقعّت فهي ليست دليلاً على وجوب الكلية؛ وحجتهم في ذلك وجود نماذج نسائية شهيرة في التاريخ العربي ما قبل الإسلام.
فهل حكايات النماذج تلك تستوجب كلية الحكم؟ وتجعل ما عداه في حكم الاستثناء والخارج عن الوجوب؟ إن الأمر أشبه بأن التفاحة السليمة لا تُصلح التفاح الفساد.
وهوما يعني أن وجود نماذج نسائية بارزة للمرأة العربية قبل الإسلام ليس بدليل نفي على عدم وجود اضطهاد وتمييز ونبذ، وما يؤكد على ذلك ما ذكره القرآن الكريم، والقرآن يتناول العام لا الخاص، لأن التغيير يشمل العام لا الخاص.
لقد كرّم الإسلام المرأة وكفل لها كافة حقوقها ورفع عنها كل وصمة عار، لكن ما حدث بعد ذلك في ظل أحقاب تراجع فيها الأصل وهيمن عليها العُرف، فكانت المرأة العربية من أكثر المؤشرات سطوعاً لهيمنة ذلك العرف؛ ليختلط الحابل بالنابل ولتدخل المجتمعات العربية في جاهلية جديدة، ودوران رجوع إلى سيرتها الأولى.
وهو ما دفع المرأة العربية إلى تبني النظرية النسوية ككرسي يحمل رجليها ليحمي عنقها من مشنقة التمييز والاضطهاد، لكن ما فتىء بريق النسوية الذي بهر عيني المرأة العربية في الخفوت بعدما تأكدت أن هذه النسوية تنحرف عن الطبيعة السوية للمرأة وتتطرف في مساحة مالها وماعليها؛ لتوقعها في فخ المسخ والتسليع.
لا أحد ينكر أن ظهور النسوية في الغرب كان دفاعاً عن المرأة الغربية ضد اضطهاد المجتمع وهيمنة الذكورية وتجريد المرأة من حقوقها، وأنها نجحت في إعطاء قليل من الحقوق التي تكفل تواجدها المادي، والكثير من الفوضى التي جردتها من حدود هويتها.
لقد اعتمدت النسوية في أصلها على أن تتحول المرأة إلى رجل لتحظى بحقوقه، باعتبار أن التساوي في الفعل يمنح التساوي في الحق، والتساوي في النوع يمنح التساوي في الحق.
وكان هذا الأصل هو «صندوق باندورا» الذي فتح عليها جحيم الآثام، فأوقعت المرأة في فخ «المساواة الكاملة» التي أدى إلى «مسخ المرأة» فأصبحت المرأة وفق معادلة المساواة الكاملة مثل الغراب لم تستطع أن تقلد الطاووس ولم تستطع العودة إلى طبيعة الغزال، فتاهت في غابات أسمنتية تبحث عن ملامحها المفقودة.
وبذلك فشلت النسوية في أمرين؛ فشلت في تأسيس نظام عادل يكفل للمرأة حقوقها في كرامة مع الاحتفاظ بحدود هويتها، وفشلت في تحقيق مساواة كاملة؛ لأنها حوّلت المرأة إلى «سلعة تجارية»، نزعت منها حيويتها الروحية.
لقد دسّت النسوية في كل دولة من دول العالم تفاحة فاسدة لتُفسد التفاحات السليمة.
فهل نجحت في نظرية التفاحة الفاسدة؟.