خالد محمد الدوس
ولد العالم الاجتماعي الاقتصادي (فيلفريدو باريتو) عام 1848 في العاصمة الفرنسية باريس من أسرة (أب إيطالي وأم فرنسية) منفية بسبب الأيديولوجية الفاشية في إيطاليا، وتلقى تعليمه من خلال اهتمامه بالعلوم الطبيعية، وبعد أن أنهى تعليمه العام التحق بجامعة البوليتكنيك في مدينة تورينو بعد عودة أسرته لإيطاليا فحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة وكان مشروع تخرجه عن مبادئ التوازن في المواد الصلبة وعيّن في بداية حياته الوظيفية مهندس في السكك الحديدية عام 1869. ولذلك شكل مشروعه الهندسي الرياضي حول (مفهوم التوازن) البذرة الأولى لاهتمامه بتحليل التوازن في مجالي الاقتصاد وعلم الاجتماع، ثم أكمل تعليمه العالي وأعد أطروحته في الدكتوراه في العلوم الفيزيائية أيضاً في توازن الأجسام. كما درس الفلسفة والسياسة، وكتب العديد من المقالات التي حلل فيها الظروف الاقتصادية في المجتمع باستخدام الحسابات الرياضية، وخلال سنوات حياته العملية استطاع باريتو أن يكوّن علاقات متعددة مع رجال الاقتصاد والسياسية وأنضم إلى جمعية أدم سميث، وفي هذه الجمعية اتصل بأفكار الاقتصاديين الليبراليين مثل: العلماء الأوائل جوهانز ومارتيلو وبنتاليونيي الذي أصبح صديقا حميما له وهو الذي وجه اهتمام باريتو نحو نموذج التوازن الرياضي في الاقتصاد، ففي علم الاقتصاد اتجه عام 1897 لدراسة توزيع الإنتاج والثروات داخل المجتمع، وخلص من دراسته أن حوالي 20 % من المصانع تنتج 80 % من إجمالي الإنتاج، كما أن 20 % من الأثرياء يحصلون على 80 % من ثروة المجتمع هذا المبدأ الإحصائي الشهير الذي يعرف بقانون 20-80، أو قانون باريتو في علم الاقتصاد الإداري الذي أطلقه عام 1906، كما يعد صاحب النظريتين الاقتصاديتين (أمثلية باريتو، وأفضلية باريتو). وقدم العديد من المؤلفات في ميدان الاقتصاد وأهمها: كتاب (موجز في الاقتصاد السياسي) عام 1906، أما علاقته مع علم الاجتماع فقد طمعت وزادت أكثر في عصر تأسيسه العلمي بطريقة نموذجية منذ اللحظة التي أخذ فيها بانتقاد الفلسفة الوضعية كنظام اجتماعي غيبي مجرد من الطرق التجريبية المنطقية الصارمة. وفي عام 1893 تم تعيينه كرئيس قسم الاقتصاد السياسي في (جامعة لوزان) في سويسرا فذاع صيته وعلا شأنه في العمل الأكاديمي في العلوم الاجتماعية ثم عاد لبلده وعمل أستاذا في (جامعة روما سابينزا)، ثم جامعة جنوة، وقضى سنواته الأخيرة في جمع مواد عملهوأبحاثه وأطروحاته المنشورة ومنها كتاب «مقدمة في علم الاجتماع العام» 1915، وكتاب الأكثر شهرة «معاهدة علم الاجتماع العام» 1916، الذي طبع في أربعة مجلدات باللغة الفرنسية والإنجليزية، وكتابه «خلاصة علم الاجتماع العام «1920، وكتاب «العقل والمجتمع»، بعد أن عرّف علم الاجتماع بأنه: دراسة المجتمع الإنساني وكان هدف باريتو الرئيسي تحديد وتفسير القوى الحقيقية التي تحدد حالة التوازن في النسق الاجتماعي، بمعنى البحث عن العوامل التي تعمل في النسق والعناصر التي ترد عليها من النسق وبذلك يتحقق التوازن، وهذه النظرة تتضمن تركيزه على الديناميكيات الاجتماعية للصراع والتغير، وتغض النظر كثيراً عن المواقف الاستاتيكية، وفي سياق أبحاثه الاجتماعية قسم النشاط الاجتماعي إلى نمطين كبيرين: منطقي الذي فيه النهاية الموضوعية والغرض الذاتي متطابقان، والنمط الثاني: الذي فيه تختلف النهاية الموضوعية عن الغرض الذاتي واعتبر العالم (باريتو) أن معظم كتلة النشاط الاجتماعي تتكون من الأفعال اللامنطقية كما أشار في (نظرية الرواسب والمشتقات).. أن الأفكار اللامنطقية هي أسس لعدد من أنماط القوى، أو الرواسب التي تحدد التوازن الاجتماعي. وقسم الرواسب إلى ستة أنواع وهي: 1- غريزة التآلف وهي تعمل على اندماج الأنواع المتشابهة التي توجه الفعل الاجتماعي. 2- الجماعات الدائمة مثل الأسرة والعلاقات العائلية. 3- الحاجة إلى التعبير عن المشاعر بالأفعال الخارجية مثل الصلاة. 4- الرواسب المتصلة بالائتناس بالجماعات البشرية. 5- رواسب تكامل الفرد مع أقرانه وتتعلق بالمساواة والتكامل. 6- رواسب الجنس وهي غريزة عن الإنسان. وأعتبر باريتو أن هذه الرواسب أو القوى الاجتماعية تحدد الفعل الاجتماعي والتوازن الاجتماعي. وأعتبر أن الرواسب يقويها اجتماعيا (مشتقاتها) التي ما هي إلا تبريرات عقلية للرواسب فالمشتقات وظيفتها إفضاء المعقولية أو الرشد الاجتماعي. وحسب (نظرية باريتو) إذا كانت الرواسب وراء السلوك الإنساني غير المنطقي في معظمه فإن الحاجة الإنسانية إلى المنطق أي إلى إضفاء المعقولية على أفعالهم تدفعهم إلى هذه التبريرات أي إلى المشتقات.! وفي (نظرية الصفوة) لدى العالم باريتو وتحليله للصفوة أكد أن الأفراد ليسوا سواسية فيما يتصل بالقدرات الذهنية والروحية والجسدية، وأن المجتمع ليس متجانسا، حيث يتكون من جماعات متباينة تختلط مع بعضها البعض.
والواقع أن إسهامات العالم والفيلسوف (فيلفريدو باريتو) كثيرة في علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة.. وحتى أن بعض علماء الاجتماع المعاصرين في أوروبا اعتبروه مؤسس علم الاجتماع السياسي من خلال اهتمامه بنظرية الصفوة في المجالين الاجتماعي والسياسي.. ومن الرواد الأوائل الذين وضعوا أسس علم الاجتماع الاقتصادي من خلال نظرياته الاقتصادية وتأثيرها على البناء الاجتماعي.
توفي العالم الراحل باريتو في العاصمة السويسرية (جنيف) بسبب أمراض القلب في 19 أغسطس 1923م عن عمر يناهز 75 سنة بعد أن ترك أرثا عميقا في العلوم الاجتماعية من خلال أبحاثه ودراساته ومقالاته العلمية التي ساهمت في النهوض بالفكر الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي.