حمّاد بن حامد السالمي
* وقفنا في الأجزاء الثلاثة الفارطة من هذا المقال؛ على النص الكامل للقصيدة الملعونة لصاحبها الإمبراطور (نقفور فوقاس)، الذي قُتل مذبوحًا سنة 359هـ، فلربما كان هذا جزاؤه من رب العزة والجلال؛ على هزئه وسخريته من العرب والمسلمين، وتهديدهم في دينهم ودنياهم في كل أقطارهم الآسيوية والإفريقية والأوروبية. أجزاء المقال: (https://www.al-jazirah.com/2023/20230115/ar2.htm)، و(https://www.al-jazirah.com/2023/20230122/ar2.htm)
و(https://www.al-jazirah.com/2023/20230129/ar2.htm).
* نصل اليوم؛ إلى الموقف المشرف لعدد من علماء وشعراء العرب والمسلمين، الذين لم يقفوا موقف المتفرج من هذه المهزلة، التي جاء بها إمبراطور رومي طاغية بلسان عربي مصنوع له من ولائيين ورغاليين خونة، كانوا مندسين بين العرب والمسلمين في ممالكهم، وهم ما زالوا حتى يومنا هذا، يمارسون ذات الخيانة ضد أهلهم وممالكهم لصالح أعداء العرب وخاصة الفرس في إيران، انطلاقًا من (العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن). من أشهر من تصدى لهذا الطاغية؛ عالمان كبيران هما: (الإمام ابن حزم ت 456هـ والإمام القفال ت 365هـ). وهذا الأخير من المعاصرين لنقفور.
* ماذا قال الإمام (ابن حزم) في الرد على نقفور وقصيدته الخبيثة؛ بعد مئة عام على القصيدة وصاحبها..؟
* قال قصيدة وصفها المؤرخون بأنها مباركة. ووصفها ابن كثير: بـ(الفريدة الإسلامية المنصورة الميمونة). والقصيدة تبدأ بقول ابن حزم:
من المحتمي بالله رب العوالم
ودين رسول الله من آل هاشم
محمد الهادي إلى الله بالتقى
وبالرشد والإسلام أفضل قائم
عليه من الله السلام مردّدًا
إلى أن يوافي الحشر كلُّ العوالم
إلى قائل بالإفك جهلًا وضلّة
عن النقفور المفتري في الأعاجم
* ثم يصف حال الإمام العباسي الذي هجاه نقفور:
دعوتَ إمامًا ليس من أمر آله
بكفيه إلا كالرسوم الطواسم
دهته الدواهي في خلافته كما
دهت قبله الأملاك دُهم الدواهم
ولا عجب من نكبة أو ملمة
تصيب الكريم الحر وابن الأكارم
ولو أنه في حال ماضي جدوده
لجُرِّعتمُ منه سموم الأراقم
عسى عَطفة لله في أهل دينه
تجدد منه دارسات المعالم
* ثم يُذكّر الروم بأن نصرهم جاء على حين غرة ليس إلا:
فخرتم بما لو كان فيكم حقيقة
لكان بفضل الله أحكم حاكم
إذن لاعترتكم خجلة عند ذكره
وأخرس منكم كلُّ فاه مخاصم
سلبناكمُ كرًّا ففزتم بغرة
من الدهر أفعال الضعاف العزائم
فطرتم سرورًا عند ذاك ونشوة
كفعل المهين الناقص المتعالم
* وهنا يذكر أن وثبة الروم على المسلمين؛ جاءت بعد تفرق وتنازع بين المسلمين أنفسهم:
ولما تنازعنا الأمور تخاذلًا
ودانت لأهل الجهل دولة ظالم
وقد شغلت فينا الخلائف فتنةٌ
لعبدانهم من تُركهم والدلائم
بكفر أياديهم وجحد حقوقهم
لمن رفعوه من حضيض البهائم
وثبتم على أطرافنا عند ذاكُمُ
وثوب لصوص عند غفلة نائم
* وهنا يشير إلى ممالك المسلمين، وأن ليس للروم سوى كرسي رومية، وكرسي القسطنطينية، وسيكونان للإسلام:
ألم ننتزع منكم بأعظم قوة
جميع بلاد الشام ضربة لازم
ومصرًا وأرض القيروان بأسرها
وأندلسًا قسرًا بضرب الجماجم
ألم ننتزع منكم على ضعف حالنا
صقلية في بحرها المتلاطم
مشاهد تقديساتكم وبيوتها
لنا وبأيدينا على رغم راغم
أما بيت لحم والقمامة بعدها
بأيدي رجال المسلمين الأعاظم
وسركيسكم في أرض اسكندرية
وكرسيكم في القدس في أورشالم
ضممناكمُ قسرًا برغم أنوفكم
كما ضمت الساقين سود الأداهم
وكرسي أنطاكية كان برهة
ودهرًا بأيدينا وبذل الملاغم
فليس سوى كرسي رومة فيكمُ
وكرسي قسطنطينية في المقادم
ولا بد من عود الجميع بأسره
إلينا بعز قاهر متعاظم
* ثم يُذكّرهم بفتوحات إسلامية مجيدة:
أليس يزيد حل وسط دياركم
على باب قسطنطينية بالصوارم
ومسلمة قد داسها بعد ذاكُمُ
بجيش لُهام قد دوى بالضراغم
وأخدمكم بالذل مسجدنا الذي
بُني فيكم في عصره المتقادم
إلى جنب قصر المَلْك من دار ملككم
ألا هذه حقًا صريمة صارم
وأدّى لهارون الرشيد مليكُكُم
رفادة مغلوب وجزية غارم
سلبناكم مسرى شهورًا بقوة
حبانا بها الرحمن أرحم راحم
إلى بيت يعقوب وأرباب دومة
إلى لجة البحر المحيط المخارم
فهل سرتمُ في أرضنا قط جمعة
أبى لله ذاكمُ يا بقايا الهزائم
فما لكم إلا الأماني وحدها
بضائع نَوكى تلك أحلام نائم
رويدًا يَعُد نحو الخلافة نورها
ويسفر مغبرّ الوجوه السواهم
وحينئذ تدرون كيف فراركم
إذا صدمتكم خيل جيش مصادم
* وهنا يفخر ابن حزم بفتوحات المسلمين فوق فخر نقفور فيقول:
على سالف العادات منا ومنكم
ليالي أنتم في عداد الغنائم
سبيتم سبايا ليس يكثر عدّها
وسبيكم فينا كقطر الغمائم
فلو رام خلق عدها رام معجزًا
وأنّى بتعداد لريش الحمائم
بأبناء حمدان وكافور صلتمُ
أراذل أنجاس قصار المعاصم
دعيٌّ وحجام سطوتم عليهما
وما قدر مصاص دماء المحاجم
فهل على دميانة قبل ذاك أو
على محلٍ أربا رماة الضراغم
ليالي قدناكم كما اقتاد جازر
جماعة أتياس لحزّ الحلاقم
وسقنا على رسلٍ بنات ملوككم
سبايا كما سيقت ظباء الصرائم
ولكن سلوا عنا هرقلًا ومن خلا
لكم من ملوكٍ مكرمين قماقم
يخبِّركم عنا المتوّج منكم
وقيصركم عن سبينا كل آيم
وعما فتحنا من منيع بلادكم
وعما أقمنا فيكم من مآتم
ودع كل نذل مفترٍ لا تعده
إمامًا، ولا الدعوى له بالتقادم
* وهنا يسخر من تهديدات نقفور في قصيدته، وأن ممالك المسلمين بعيدة المنال:
فهيهات سامرّا وتكريت منكم
إلى جبل، تلكم أماني هائم
مُنى يتمناها الضعيف ودونها
تطائر هامات وحزّ الغلاصم
ومن دون بغداد سيوف حديدة
ميسرة للحرب من آل هاشم
محلة أهل الزهد والعلم والتقى
ومنزلة يختارها كل عالم
دعوا الرملة الصهباء عنكم فدونها
من المسلمين الغر كل مقاوم
ودون دمشق جمع جيش كأنه
سحائب طير تنتحي بالقوادم
وضرب يُلقي الكفر كل مذلة
كما ضرب السِّكيُّ بيض الدراهم
ومن دون أكناف الحجاز جحافل
كقطر الغيوم الهاملات السواجم
بها من بني عدنان كل سميدع
ومن حي قحطان كرام العمائم
ولو قد لقيتم من قضاعة كُبّة
لقيتم ضرامًا في يبيس الهشائم
إذا أصبّحوكم ذكّروكم بما خلا
لهم معكم من مأزق متلاحم
زمان يقودون الصوافن نحوكم
فجئتم ضمانًا أنكم في المغانم
* وإلى الأحد القادم؛ حيث نقف على بقية نص قصيدة ابن حزم، وما فيها من مضامين دامغة لنقفور اللعين وقصيدته (العربية اللعينة).