رمضان جريدي العنزي
للمتعالي هيئة خاصة، وكلام خاص، ومشية خاصة، ونظرة خاصة، وسلام خاص، ورداء خاص، وطريقة خاصة يتعامل بها مع الآخرين، بتلك التصرفات والصفات يحاول إبهار الناس، حتى وإن لم يكن ناجحاً ومتميزاً وله تفرد حقيقي، لكنه في حقيقته الواضحة والبائنة والجلية، متكبر ومتعجرف ومغرور، وله عقد نفسية، باعتقاده القاصر بأنه أفضل الناس وأرقاهم وأحسنهم، وأنه لا مثيل له، ولا يمكن تكراره، بل ويستميت من أجل الوصول للمكانة العالية بأي طريقة كانت، دائماً يتحدث بصيغة الأنا المتضخمة، عن نفسه وعن عبقريته وعن ذكائه وقدراته الفائقة، وإمكانياته الهائلة، مستخدماً أسلوب المقارنة بينه وبين غيره من الناس، كي يثبت للآخرين بأنه الأفضل منهم والأقدر والأنجح، محقراً من شأنهم، يعاني المتعالي بشكل عام من مرض يجعله عديم الاستقرار نفسياً، متقلب المزاج والمعنويات بشكل دائم، سريع الإنفعال والتذبذب، لديه قلق وتوتر وأرق واكتئاب، لا يستقر على حال ولا مآل، لا يعرف التواضع، ويشعر دائماً بأنه عظيم ومهم، لا يستمع للنصح والإرشاد، بل يريد فرض آرائه ومعتقداته.
إن المتعالي معجب بنفسه ومسرور بها قولاً وفعلاً، ويظن نفسه بأنه فوق النقد والتقويم، ولا يقبل أحداً أن يناقشه إلا فيما يناسب غروره، له فلسفته الخاصة، ورافض لواقعه الحقيقي، ويحاول أن يكون مغايراً في كل شيء، إن التعالي على الناس آفة خطيرة، وهو مرض نفسي خطير، وصفة حقيرة، وخلق دنيء، قال المتنبي في هذا الشأن:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
لا يخدعنك من عدو دمعة
وأرحم شبابك من عدو ترحم
وقال فتيان الشاغوري:
الكبر تبغضه الكرام وكل من
يبدي تواضعه يحب ويحمد
خير الدقيق من المناخل نازل
وأخسه وهي النخالة تصعد
وقال مصلح بن عياد الحارثي:
وليا طرالي راعي الكبر والطيش
كنه خشير لي معي في معاشي
يا نافخن صدرك تكبر على ويش
والله وما قالت ترى اللاش لاشي
الكبر منهاج الخبول الدراويش
مكبرين ظهورهم بالخياشي
إن على الإنسان العاقل الحصيف أن يبتعد كلياً عن التعالي على الناس، وأن يحذر أن يعجب بنفسه وعمله وصفته، وعليه أن يحاسب نفسه، وأن يجاهدها حتى لا يقع في قلبه التكبر والتعالي والغرور، لأنها صفات مقيتة لا يعقل أن يتصف بها الإنسان السوي، وأن يكون على بينة وبصيرة من أمره، لأنه في الأول والأخير إنسان ضعيف خلقه الله من ضعف، وهو على ضعف، ولنا في قول الحق جلا في علاه في ذلك عبرة وآية، فقد ذم المتعالين المتكبرين المغرورين في أكثر من موضع، فقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وقال عز وجل: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، وقال تعالى: {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، وقال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}، وقال تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، اللهم جنبنا كل متعالي متكبر مغرور، واصلح شأننا وشأنه.