تعد المدرسة مكوناً مهماً من المكونات الأساسية للعملية التربوية وعاملاً مهماً للجذب أو الرفض لدى الكثير من الطلاب، والاهتمام بالبيئة المدرسية يعد من أهم عوامل وأسباب نجاح العملية التعليمية، فهي تؤثر على النتاجات السلوكية لتعلم الطلاب ونمائهم وأدوارهم الاجتماعية التي سيؤدونها مستقبلاً، كما تؤثر في طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع معطيات الحياة، وحتى نستطيع الحكم على العملية التعليمية بالنجاح والتنظيم ينبغي علينا أن نقدم تعليمنا في بيئة مدرسية إيجابية وفاعلة تأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر وتنظر إلى المستقبل بكل تحديث ومواكبة وبخاصة أن المعارف تتضاعف كل ثلاث إلى خمس سنوات. وإذا صحت هذه الإشارة فإن أهمية توفير بيئة مدرسية إيجابية محفزة على التعلم والتفكير يصبح ضرورة لا غنى عنها لمواكبة ذلك. وبخاصة في ظل الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم بأشكاله المختلفة والمتنوعة، والمتأمل للمباني المدرسية اليوم والتي روعي في تصميمها الحداثة والرمزية والملاءمة تجد أنها تفتقد إلى كثير من الأساسيات العلمية في تصميم الأبنية المدرسية فالذي قد يمر من جانبها قد يجهل أنها مدرسة لعدم وجود دلالات واضحة على أنها مدرسة سوى بعض اللوحات أو الكتابات الجدارية التي قد تشوه الصورة أكثر مما تزينه.
قبيل الحرب العالمية الثانية في دول شمال أوروبا وذلك بعد ظهور مرض السّل كوباء عالمي، حيث باتت التجمعات البشريّة وبخاصة المدرسية منها تشكّل بؤراً لانتشار هذا الوباء فأصبح التدريس في العراء السبيل للابتعاد أو التخفيف من العدوى واستساغت بعض الدول تلكم الفكرة وطوّرتها حتى بعد انتهاء الوباء مثل ألمانيا فقامت بإنشاء مدارس بلا أسوار اعتماداً على نصائح تربويين وعلماء نفس، ومن ثم حذت دول أخرى مثل الصين وكوريا الجنوبية، حذو ألمانيا وطوّرت التجربة وكان المسوغ الرئيس لهذه الدول هو أن المدرسة ليست سجناً، وليست مكاناً لممارسة القمع أو كبتاً للحرية البصرية والنفسية ومن جهة أخرى يرى المؤيدون لفكرة مدارس بلا أسوار أن عدم وجود أسوار تمنع الطّلبة من الهروب هو شعور بالراحة والطمأنينة فلا تجد الطالب يجد مبرراً للهروب أو تحدياً للسلطة المدرسية من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن عدم وجود أسوار للمدرسة يعد انفتاحاً أعلى المجتمع هذا إذا نحن سلمنا بأن التعليم قضية مجتمعية لا بد أن تشارك فيها جميع الأطراف من الأسرة والمدرسة وجميع أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة فكيف يستقيم الحال في مدرسة معزولة بجُدُرٍ خرسانية لا تجعل المجتمع ولا الطلاب يتبادلون التواصل البصري وربما التواصل التحفيزي من المجتمع.
لم أكن حقيقة أتخيل إطلاقاً عندما قدمت إلى أمريكا مصطحباً أبنائي لتسجيلهم في المدارس العامة أن هذه الأبنية الفخمة جداً وذات الشكل الجميل أنها مدارس، والشيء الذي لم أكن أتخيله إطلاقاً أن تكون تلكم المدارس بلا أسوار, حينها حضرتني مناظر المدارس لدينا والتي هي صورة مبسطة للقلاع الضخمة، بل لست مبالغاً إذا قلت إن أسوار بعض المدارس هي أكثر حصانة من أي قلعة قديمة, وهذا السور العالي جداً يمثل همّاً لدى الطلبة الدارسين حيث ينحصر تفكير غالبية الطلاب في الكيفية التي يقفزون فيها خارج هذا السور، فالأسوار لاتقام إلا للسجناء، وحتى السجناء في الغرب لم يعد لهم سور, ومع ذلك فإن حالات الهروب والتسرب من مدارسنا المحصنة تشهد تزايداً وتصاعداً، في الوقت الذي تكاد فيهنسب التسرب أن تنعدم في المدارس الأوروبية غير المسورة والمفتوحة من كل الجهات، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه الأسوار والتي في العادة تكلف أربعة أضعاف المدرسة الأصلية وتزيد، بل هي عبء في التكاليف وفشل في التفكير ونقص في خبرات التعليم واقتصادياته.
لا بد أن يترسخ لدى مصممي المدارس والأبنية بأن المدرسة ليست سجناً، وأن الطلاب ليسوا مجرمين، وعلى الرغم من إلزامية التعليم في تلكم الدول فإنهم لم يجعلوه جبرياً بالتخويف والترهيب، ولكن بكفاءات تعليمية وتربوية وبيئة تعليمية جاذبة، وبمناهج تعليمية حيوية لا تضغط على الطلبة، ولا تحيل حياتهم إلى جحيم وتصبح المدرسة معزولة عن المجتمع وعن رؤية البيئة المحيطة بها.