د.شريف بن محمد الأتربي
في معرض حديث مع ثلة من الأصدقاء حول أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الفرد، وينعكس أثرها على المجتمع، تعددت الإجابات لتشمل الثقافة، والصدق، والأمانة، وغيرها من الصفات التي يرونها مهمة من الناحية الفعلية لاستقامة المجتمع، وتقليل حجم المشكلات التي قد تنشأ بين أفراده، وبعد طول نقاش طال حتى شمل الحاضرين في دورة تدريبية أقدمها بعنوان: إدارة التغيير؛ واتفق الجميع على أن الاحترام هو الصفة الأكثر أهمية لانضباط المجتمع.
تتأثر تعريفاتنا الشخصية للاحترام بشخصيتنا وعواطفنا وتفضيلاتنا وسياقنا الثقافي، وقد يكون من الصعب تحديد هذه العناصر بأوضح المصطلحات وأكثرها موضوعية. وتدل الكثير من التعريفات حول الاحترام بأنه يعني إظهار «التقدير العالي»، أو الاهتمام الخاص بشيء ما، أو شخص ما. وهو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان، ويعبر عنه تجاه كل ما حوله من أشياء أو يتعامل معها بكل تقدير وعناية والتزام. فهو تقدير لقيمة ما، أو لشيء ما، أو لشخص ما، وهو إحساس بقيمة هذا الشيء وتميزه، أو لنوعية هذه الشخصية. وهو قيمةٌ إنسانيةٌ جليلة، تميز بين الأفراد وتفاضل فيما بينهم.
ولا تختلف التعاريف الاصطلاحية للاحترام عن التعاريف اللغوية، فهي جميعها تصب في محتوى العلاقات سواء الثنائية أو الاجتماعية، فقد ورد في «معجم المعاني الجامع» أن الاحترام هو:
احترام: (اسم).
مصدر احترمَ.
احترام الذَّات: احترام النَّفس والشعور بالكرامة.
احترامًا له: بدافع الاحترام.
قليل الاحترام للآخرين: مُهين، وَقِح.
لك احتراماتي/ تقبّل وافر الاحترام/ مزيد الاحترام: من عبارات المجاملة التي تقال في المكاتبات ونحوها.
جدير بالاحترامِ: جدير بالتقديرِ والاعتبارِ.
يتمتع بالاحترامِ والتقدير: بالمهابةِ والإجلالِ نقفُ احترامًا للمُعلِّم مهابةً واعتبارًا لمكانتِهِ من الاحترامِ.
تقبل احترامي وتحياتي: تقديري، اعتباري.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام: عبارة تُقال في نهاية التماس أو طلب أو رجاء من مسؤول أو رئيس ونحوهما، يكنّ له كلّ احترام: يوقِّره ويُكبره.
ويجب مراعاة متطلبات الاحترام من منظور اجتماعي وفردي، فمن المنظور الاجتماعي يجب أن يظهر الفرد احترامه لكل فئات المجتمع كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين، فالاحترام البادي في مظاهر التعامل مع الآخرين ينعكس أثره على تعاملهم مع الطرف الآخر. وعلى المنظور الفردي، لازلت أصدح في كل مناسبة علمية أو عائلية أو حتى حديث عابر بأن لكل شخص منا خطوطًا حمراء يجب أن لا يتجاوزها تجاه الآخرين، ولا يسمح للآخرين بتجاوزها تجاهه، لذا فإني دائمًا ما أقول: إن لم يُرسم لك خطوطٌ حمراء، فقم برسمها بنفسك حتى لا تقع في خطأ لا يمكن معالجة أضراره.
ورغم أهمية هذه الصفة في المجتمع إلا أننا كثيرًا ما نجد تفاوتًا في تعاطي الأفراد مع الآخرين، فتجد أن صفة الاحترام لديهم ترتبط فقط بالأفراد ذوي السلطة أو المال أو الجاه، بينما تنعدم هذه الصفة تجاه من هم على نفس القدر أو أقل.
والأغرب والأعجب أن يتحول الاحترام من صفة بين الأفراد إلى صفة بين الفرد والآلة، فمع التطور التقني، والتوجه نحو أتمتة أغلب مظاهر الحياة؛ أصبح الفرد يحترم ساهر، وجهاز البصمة، وكاميرا الجوال، كاميرات المراقبة في الشوارع والمطارات والجهات الحكومية، وغيرها من مظاهر التقنية التي تراقب تصرفات الأفراد وتوثقها بحيث يتم معاقبتهم على الخروج عن الاحترام وعدم اتباع القوانين المنظمة لقواعد الحياة، بحيث أصبح الاحترام الإلكتروني هو السائد، وتنحى جانبًا الاحترام الإنساني أو خفتت معالمه.
إن الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع والذي يظهره السلوك الإنساني، هو واحد من قواعد صحة بناء المجتمع، ولا يجب أن نترك مهمة إفشاء الاحترام بين أفراد المجتمع إلى الأسرة فقط؛ بل يجب أن تتضمن مناهجنا التعليمية، وبرامجنا التلفزيونية، وجميع مخرجات الميديا على قواعد الاحترام وتأصيلها في نفوس الأجيال حتى يصبح الاحترام هو الأصل والازدراء هو الشاذ، وأن يكون الاحترام البشري هو السائد، والاحترام الإلكتروني هو جزء منه وليس بديلًا عنه.