عبدالعزيز بن محمد الفريان
في خطوة مهمة باتجاه تحقيق مستهدفات رؤية 2030، أطلقت المملكة خدمة «تأشيرة المرور أو الترانزيت» الإلكترونية للقادمين جواً، بهدف تيسير القدوم إلى المملكة لجميع الأغراض، بما فيها أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، بالإضافة إلى التنقّل وحضور الفعاليات السياحية.
ووفقاً لوزارة الخارجية فإن تأشيرة المرور للزيارة ستصدر فورياً مع تذكرة السفر، وتمتد صلاحيتها إلى ثلاثة أشهر، والإقامة بالمملكة لمدة 4 أيام. ويتم التقدم بطلب تأشيرة المرور عبر المنصات الإلكترونية التابعة للخطوط الجوية السعودية، وطيران ناس، ليتم تمريرها آلياً إلى المنصة الوطنية الموحَّدة للتأشيرات في وزارة الخارجية، لمعالجة وإصدار التأشيرة الرقمية بشكل فوري وإرسالها للمستفيد عبر البريد الإلكتروني.
وبالتأكيد أن هذه الخطوة مهمة في مسار المملكة نحو تحقيق غايات ومستهدفات رؤية المملكة 2030، في محور السياحة، وصولاً إلى زيادة عدد الزيارات السنوية للمملكة إلى نحو مائة مليون زائر بحلول عام 2030، وهذه التأشيرة الجديدة بالتكامل مع الكثير من الإجراءات الأخرى ستحقق من الفوائد ما لا يمكن حصرها في هذا المقام، لكنني سأحاول هنا تلمس بعضاً منها.
إن تأشيرة المرور تعتبر إضافة كبيرة لجهود المملكة لتمكين المسلمين من أداء شعائر العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، وما تقدمه لهم من خدمات جليلة، وتطوير تجربة ضيوف الرحمن وإثراء رحلتهم الدينية والثقافية، تحقيقاً لمستهدفات برنامج خدمة ضيوف الرحمن «أحد برامج رؤية السعودية 2030». وتجسد قول خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله - «إنّنا في المملكة العربية السعودية وقد شرَّفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما نذرنا أنفسنا وإمكاناتنا، وما أوتينا من جهد قيادةً وحكومةً وشعباً لراحة ضيوف الرحمن، والسهر على أمنهم وسلامتهم».
كما أنها داعمة لسياسة الانفتاح من أجل عكس الصورة الحقيقية المشرقة والمشرِّفة للعالم مباشرة من خلال الزائرين والسياح، وتلك من الوسائل الفعَّالة التي تسهم في إبراز جهود المملكة وتحسين السمعة والصورة لها، وتبديد ما تروج له بعض وسائل الإعلام المغرضة، والاستفادة من إيجابيات ثقافات الشعوب الأخرى، وتهيئة المناخ للتفاعل الثقافي والاجتماعي لإحداث التغيير للأفضل، بعيداً عن حياة العزلة والانكفاء على الذات، في عالم تلاشت فيه كل الحدود الجغرافية كانت أو ثقافية، مع ثورة الاتصالات وطوفان المعلومات.
وهذه التأشيرة ستدعم أيضاً السياحة العلاجية التي تعوّل عليها المملكة كمورد اقتصادي مهم، وتخطط بشكل دقيق ومدروس لتكون الوجهة الإقليمية الأولى للباحثين عن العلاج، فوفرت كافة المقومات التي تؤهلها لذلك بتحديث النظام الصحي وتطويره، وتوفير الوجهات الترفيهية وتجهيز البنية التحتية، من وسائل المواصلات الحديثة بما فيها السكك الحديدة التي من المنتظر أن تدخل الخدمة خلال الأسابيع القادمة لمدينة الرياض، وأيضاً قطار الحرمين الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وزيادة السعة الفندقية وغيرها من المقومات التي تؤهلها لاستقطاب أكبر عدد ممكن، من نحو «50» مليون مسافر سنوياً بحثاً عن العلاج حول العالم.
في الجانب الرياضي يمكن للكثير من محبي الرياضة الحضور إلى المملكة عبر هذه التأشيرة، لحضور مناسبات رياضية كسباقات السيارات العالمية والمصارعة الحرة، وبشكل خاص مباريات كرة القدم، لا سيما بعد أن اتجهت الأندية السعودية للتعاقد من أفضل وأشهر نجوم العالم، كما الحال مع نادي النصر الذي ضم كرستيانو رونالدو أحد أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم.
وعلى الصعيد الاقتصادي ستحسن الخطوة موقع المملكة على خارطة السياحة العالمية، حيث إن تسهيل الحصول على التأشيرة سيفتح باباً واسعاً سيضيق بالقادمين من مختلف أصقاع الأرض نحو المملكة، وسيفعل ذلك سياحة الترانزيت، وإنفاق تلك الأعداد الضخمة من المسافرين في التنقّل والإشغال الفندقي ومراكز التسوق وغيره، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى تعرّفهم على المقومات السياحية الفريدة التي تحظى بها المملكة، والترويج له لاحقاً وسط معارفهم.
والخطوة الموفقة أيضاً من شأنها أن تسهم في جعل المملكة مركزاً عالمياً للسفر، إذ يؤهلها موقعها الإستراتيجي المتميز لتصبح نقطة ربط بين مختلف دول وقارات العالم، والاستفادة من السوق المتنامي لصناعة الطيران وخدماتها لزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تصب في صالح إنجاح الخطط الخاصة باستقطاب كبريات الشركات العالمية لتأسيس مقارها الإقليمية بمدن المملكة ومضاعفة حجم الاقتصاد، وتنمية قطاعات جديدة، بالإضافة إلى توفير مليارات الريالات، وعشرات الآلاف من الوظائف النوعية للشباب السعودي وتوسعة الاستثمارات لتكون ضمن أكبر اقتصادات المدن في العالم بحلول 2030. والمملكة باقتصادها القوي وفرصها الاستثمارية الضخمة قادرة على منافسة العالم لتكون مركزاً وعاصمة للمقار الإقليمية والاستثمارات الأجنبية في المنطقة، وخصوصاً أنها استعدت جيداً لذلك بتهيئة بيئة متكاملة حاضنة لهذه الشركات بإنشاء مناطق خاصة لها.
لقد فعلت المملكة الكثير من أجل استثمار مقومات الجذب الهائلة والفريدة التي تتمتع بها، من المواقع الدينية، والسياحة التاريخية والتراثية والأثرية، بالإضافة إلى المواقع الطبيعية والجغرافية الخلاَّبة الصحراوية والبحرية، فضلاً عن الترفيه، ومن أهم ما قامت به في هذا السياق، تسهيل الدخول إلى البلاد بعدة أنواع من التأشيرات المشجعة للسياحة وتصدر وفق أنظمة جديدة مواكبة لإيقاع العالم السريع، وتمنحها «إمكانية أداء العمرة» ميزة تنافسية قوية ستمكن المملكة من الحصول على حصة كبيرة من سوق سياحة المرور، إذ إن المسلمين في العالم سيفضّلون خيار التوقف وأداء العمرة ومن ثم المواصلة إلى وجهاتهم.
إننا نحمد الله أن قيَّض لبلادنا قيادة حكيمة، تعي كيف تستغل إمكانياتها وتوظفها في خدمتنا وتوفير الحياة الكريمة لنا، وتمضي ببلادنا بخطى ثابتة ورؤية ثاقبة نحو المجد، حفظ الله أمننا وأماننا، وحفظ الله قيادتنا الحكيمة ممثلةً بخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وحفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه.
** **
- المدير التنفيذي للشؤون الإعلامية، بمجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية