د.شريف بن محمد الأتربي
برز مصطلح الاستدامة خلال العقد الماضي كناية عن: «تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة»، وذلك كما عرفتها لجنة «بريندتلاند» التابعة للأم المتحدة عام 1987م. وارتبط المصطلح دائماً بالتنمية، فجاءت أهداف التنمية المستدامة لتشكل إطار عمل لتحسين حياة الشعوب خاصة مع التحولات والتغيرات المناخية، ناهيك عن الحروب والصراعات التي التهمت الأخضر واليابس في كثير من الدول وخاصة في القارة الإفريقية.
والاستدامة (Sustainability)، هي مفهومٌ يُطلق على البيئة الحيويّة متنوعة الكائنات الحيَّة، والعوامل الطبيعية التي تحافظُ على وجودها لأطول فترةٍ زمنية ممكنةٍ. وتُعرفُ أيضاً بأنّها: الحفاظ على نوعية الحياة من خلال التأقلم مع البيئة عن طريق استغلال الموارد الطبيعيّة لأطول مدى زمنيٍ ممكنٍ يؤدّي إلى المحافظة على استمرار الحياة. وهي مجموعةٌ من العمليات الحيويّة التي توفرُ وسائل الحياة للكائنات الحية بمختلف أنواعها، ممّا يساعدها في المحافظة على تعاقب أجيالها، وتطوير وسائل نموها مع مرور الوقت.
وتتعدد مجالات الاستدامة لتشمل ثلاثة مجالات: المجال البيئي، المجال المجتمعي، المجال الاقتصادي.
وعلى صعيد المجال البيئي، تهدف الاستدامة البيئية إلى تحسين رفاهية الإنسان من خلال حماية رأس المال الطبيعي، مثل الغلاف الجوي أو التربة، والتركيز على تقليل بصمات الكربون، ونفايات التغليف، واستخدام المياه وتأثيرها العام في البيئة.
أما على صعيد المجال المجتمعي فتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى الحفاظ على رأس المال الاجتماعي من خلال الاستثمار وإنشاء الخدمات التي تشكل إطار عمل للمجتمع، وتشمل محاولات القضاء على الفقر والجوع. وكذلك مكافحة عدم المساواة، وأن يحظى العمل المستدام بالدعم والموافقة من موظفيه وأصحاب المصلحة والمجتمع الذي يعمل فيه.
وأخيراً في المجال الاقتصادي حيث تهدف الاستدامة الاقتصادية إلى الحفاظ على رأس المال سليماً وتحسين مستوى المعيشة، والاستخدام الفعّال للأصول بغرض الحفاظ على ربحية المؤسسة بمرور الوقت، وتركز على جزء من الموارد الطبيعية التي توفر مدخلات مادية للإنتاج الاقتصادي. والمدخلات المتجددة والقابلة للاستنفاد. وتشمل الأنشطة المطبقة لتحقيق هذه الاستدامة: الامتثال، والحوكمة السليمة وإدارة المخاطر.
ويعد التعليم واحدًا من أهم مجالات دعم المجتمعات لتحقيق الاستدامة سواء من خلال المناهج الدراسية التي توضح مفهوم الاستدامة، أو من خلال التوعية الدائمة والمستمرة للطلاب من أجل تحقيق الاستدامة في المجالات الثلاث السابق ذكرها.
والتعليم المستدام هو التعليم الذي يحث على تغيير المعرفة والمهارات والقيم والسلوكيات ليتيح للجميع مجتمعا أكثر عدلاً واستدامة. وحتى تتحقق هذه الأهداف يجب أن يعمل المجتمع التعليمي ككل على تحقيقها ولا تلقى مسؤوليتها على طرف واحد، أو بمعنى أصح أن تلقى على كاهل المعلم فقط ويظل باقي الميدان مطالعا له، فإن نجح فهم شركاء في النجاح، وإن لم يحقق الهدف فهناك من يتحمل المسؤولية نيابة عن الآخرين.
وحين نسلط الضوء على الاستدامة في التعليم نجد أن أغلب الدول لديها خطط واضحة لتحقيق هذا الهدف الرئيس وما ينسدل منه من أهداف فرعية، وذلك بالتعاون فيما بينها، وكذلك من خلال المنظمات الدولية المعنية بالتعليم في العالم، أو تلك التي تضع معايير تقديم التعليم، وقياس مخرجاته، وتأثيره في وعلى المجتمعات.
ويعد دور المعلم أساسيا في استدامة التعليم، سواء من خلال أداءه داخل الفصول الدراسية أو خارجها، وتنويعه لأساليب التعلم واستراتيجياته، واعتماده على مصادر تعليمية ذات أثر فاعل في العملية التعليمية، إلى جانب توظيفه للتقنية بشكل صحيح وجاذب لتحقيق أهداف التعليم. ولعل من أهم الأدوار التي يقوم بها المعلم في تحقيق استدامة التعليم؛ هو تقديم التعليم بشكل متساو للجميع، وتوفير بيئة تعليمية جاذبة، وجعل الطالب منتج للمعرفة وليس فقط مستقبلا لها، بالإضافة إلى دوره في تنمية المهارات ودمجها لصالح العملية التعليمية.
وعلى الجانب الآخر يأتي دور جميع المشاركين في العملية التعليمية، سواء مدير المدرسة، أو المشرف التربوي، أو المرشد الطلابي، أو حتى سائق الحافلة التي تقل الطالب من منزله إلى مدرسته.
وبتصنيف دور كل من هؤلاء في العملية التعليمة لتحقيق التعليم المستدام، أجد أن مدير المدرسة يأتي على رأس هرم المسؤولية التشاركية مع المعلم، فدوره الأساسي هو العمل على جعل المدرسة جاذبة للمتعلمين، عادلة للجميع، يسود فيها الإحساس بأهمية العلم والمعرفة، ويستنشق في أجوائها عبير المستقبل المعطر بروائح الاهتمام والألفة والاستعداد لحل ومواجهة المشكلات التي قد تعيق تحقيق الأهداف، والأهم ألا يطغى الجانب الإداري- وإن كان مطلوبا بشدة- على الجانب التعليمي فتتحول المدرسة إلى كيان إداري أهم ما فيه تسجيل الحضور في بداية الدوام وأثناء اليوم الدراسي.
ويأتي دور الإشراف التربوي ليعضد ويكمل دور مدير المدرسة فيما يخص الجانب التعليمي داخل الفصل، حيث يعمل المشرف التربوي جنبا على جنب مع المعلم لتطبيق أعلى معايير جودة التعليم والتي تنعكس بدورها على الطلاب، وتجذب انتباههم وتقلل من انصرافهم عن العملية التعليمية.
وهكذا تتعدد الأدوار والمسؤوليات لجميع أعضاء المنظومة التعليمية لتحقيق التنمية المستدامة في التعليم بما ينعكس أثره على المخرجات ويترادف مع باقي مجالات التنمية المستدامة سواء البيئية أو الاقتصاد.