«الثقافية» - علي بن سعد القحطاني:
تسعى وزارة الثقافة إلى الاهتمام بالمكنوز التراثي العربي الأصيل (الشعر العربي) عقب صدور موافقة مجلس الوزراء بتسمية عام 2023 بعام الشعر العربي، وأعدّت مراكزها ومؤسساتها الثقافية برامج حافلة تعنى بالدراسات والأمسيات الشعرية وورش عمل تلقي الضوء على التراث العربي الأصيل الذي يمتد جذوره لأكثر من 1600سنة، كما جاء في نصّ للجاحظ يؤرخ ميلاد الشعر العربي وذكره في كتابه الشهير (الحيوان)، إذ قال: «أما الشعر العربي فحديث الميلاد صغير السن، أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة.. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له -إلى أن جاء الله بالإسلام- خمسين ومائة عام، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام».
ونشأ الشعر في قلب الجزيرة العربية، واحتضنت المملكة أبرز الشعراء مثل امرؤ القيس والأعشى وعنترة بن شداد، وظهرت المعلقات العشر وأجود ما قيل من قصائد على مرّ التاريخ، والتقت «الثقافية» بعدد من الأكاديميين والشعراء الذين عبَّروا اعتزازهم بجهود المملكة العربية السعودية في إبراز الجانب الثقافي الأصيل، فبعد عام 2021 عام الخطّ العربي، وعام القهوة العربية 2022 تحتفي مملكتنا المجيدة لهذا العام بـ»الشعر العربي» مع التوقع بأن يكون أجندة هذا العام يزخم بالأمسيات الشعرية باختلاف أنواعها وفي كل مناطق المملكة، مع دور المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية والأندية الثقافية في تفعيل هذه المبادرات التي تكشف عن تجارب صاعدة في الشعر.
«الشعر ديوان العرب»
التقت «الثقافية» بالشاعر علي خضران القرني وقال: لا شك أن المملكة العربية السعودية أولت الأدب والثقافة اهتماماً كبيراً منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وتبعه في ذلك أبناؤه البررة الذين تتالوا على الحكم من بعده حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله وسددهما في حرصهما الكبير ودعمهما اللامتناهي للثقافة والأدب في بلادنا بجميع الاتجاهات والمسارات والفنون، وعلى مختلف الأصعدة دعماً مادياً وتشجيعاً وتوجيهاً للجهات الحكومية كالجامعات والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، والجهات الخاصة التي تتلقى دعماً أيضاً برعايتها وإقامتها للفعاليات وبعمل اتفاقيات لهذا الهدف النبيل، وكل ذلك وغيره من وسائل الرعاية الكبيرة للأدب والأدباء والمثقفين لتؤكد ما تتميز به بلادنا وولاة أمرنا -رعاهم الله - من حكمة وفهم كبير لهذا الدور المهم الذي يمثله المفكر والمثقف والأديب وما يقدمونه من رسالة يبثونها بنتاجهم الأدبي في مختلف مسارات والمناسبات، وما صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بتسمية عام 2023م بعام الشعر العربي إلا تاكيداً لما سبق إيراده، ولا غرابة في ذلك، فالشعر ديوان العرب ويحتل مكانة مهمة جداً بين الأغراض أو الأنواع الأدبية الأخرى من نثر وخطب ومقامات وقصة ورواية ونقد ومقالة. والحديث عن الشعر الفصيح الموزون وما يتفرع منه كشعر التفعيلة وقصيدة النثر والشعر العامي أيضاً، كلها تحمل أغراض الشعر من مدح ووصف وغزل وهجاء، وتعتبر حاملة وناقلة لثقافات الشعوب ونهضتها وتراثها وإن كان الشعر الفصيح هو الأهم والأصل وفي الاهتمام به وإحيائه دعم للشعراء وتعزيز للحضارة العربية ماضيها وحاضرها، وقد برز في المملكة العربية السعودية العديد من الشعراء والشاعرات سابقاً ولاحقاً أثروا الحياة بشعرهم الجميل المعبّر في مختلف الأغراض، منهم -على سبيل المثال لا الحصر- الأمير عبدالله الفيصل والأمير خالد الفيصل وطاهر زمخشري ومحمد حسن فقي وحسين عرب وعبدالله عبدالجبار وعبدالقدوس الأنصاري وأحمد قنديل وغازي القصيبي ومحمد السنوسي وعبدالعزيز خوجة وإبراهيم خفاجي وحسين سرحان وعبدالله باشراحيل وحمد الحجي ومحمد الثبيتي وجاسم الصحيح وسعد الحميدين وإبراهيم العواجي وعبدالله بن إدريس وعبدالله الصيخان وحجاب الحزمي وأشجان هندي وبديعة كشغري وسلطانة السديري واعتدال ذكر الله وفاطمة القرني ومستورة العرابي وثريا قابل وغيرهم من الشعراء والشاعرات الذين لا يتسع المجال لذكرهم الذين رفعوا راية الشعر السعودي وارتقوا به وتجاوزوا به الحدود العربية إلى العالمية مستلهمين قيمه وأخلاقياته وجمالياته وأخيلته وما يحمله من معانٍ سامية نبيلة. ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نتقدم بجزيل الشكر والامتنان لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله على رعايتهما الكبيرة للمثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء مما جعل أدبنا وثقافتنا تصل إلى هذا المستوى المشرف على مستوى العالم أجمع.
«رؤية السعودية2030 والشعر العربي»
ورأى الدكتور والشاعر شتيوي الغيثي أن عام الشعر العربي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية سيكون عاماً فاعلاً في دفع حركة الشعر العربي المعاصر إلى الأمام أكثر، بحيث يكون مؤثراً في الحضور الثقافي الأكبر على مستوى العالم العربي جميعاً باعتبار أن السعودية هي حاضنة الوجهة الثقافية التي اتجهت إليها الأنظار منذ سنوات، وقال: لذلك فإن إعلان وزارة الثقافة هذا العام 2023 عاماً للشعر العربي يأتي ضمن الأطر العامة الثقافية لرؤية السعودية 2030، وهذا ما يجعل من حراكنا الثقافي حراكاً ذا قيمة فعلية لا على المستوى الإقليمي الخاص بل على كل المستويات الثقافية والتاريخية وغيرها.
وأظن أن مثل هذا الإعلان سيجعل فكرة الامتداد الثقافي للسعودية حاضراً؛ خاصة أن أول لحظة من لحظات الوجود الشعري كان هنا على هذه الأرض قبل أكثر من 1600 عام من عصور العربية، وامتداداً لكل تلك العوالم الثقافية التي أسست الوجدان والذاكرة العربية وقيمها العليا، فلم يكن الشعر يوماً مجرد فن من الفنون؛ بل هو أكثر من ذلك بكثير، إنه الثقافة والحضن المعرفي والوجداني للقيم العربية التي امتدت منذ تلك العصور إلى هذا العصر الذي نعيشه، ومن هنا فإن الشعر قد حمل قيمنا فكان ولا تزال يشكل أكثر قيمنا الركيزة حضوراً لدى الأمم الأخرى.
من جهة أخرى يمكن اعتبار هذا الإعلان بمثابة حضور التوهج الشعري وعودته إلى عمق الجزيرة العربية المتمثلة بالعديد من الشعراء السعوديين الذين تميزوا في الفترات الأخيرة، وأعادوا الشعر إلى موطنه الأصلي بعد أن ترحّل قروناً عديدة في الأقطار العربية الأخرى، مما جعل فكرة الاهتمام بالشعر اهتماماً نابعاً من كل بيت سعودي وليس فقط على المستوى الثقافي الرسمي بل هو اهتمام شعبي كذلك، وبالتأكيد أن هذا الإعلان لا يشمل الشعر السعودي وإنما يشمل الشعر العربي كافة قديمه وحديثه، ومن هنا يمكن أن يكون هذا الإعلان مظلّة ثقافية للكثير من الشعراء العرب المعاصرين في الأوطان العربية المختلفة، مما يعزز من عمق السعودية أكثر عربياً ودولياً.
وأتمنى حقيقة أن يعضد هذا الإعلان شعور كبير من كل المؤسسات الحكومية والأهلية وحتى المؤسسات التجارية والقطاع الخاص بحيث يتم الاحتفاء بالشعر، وأن تقوم تلك المؤسسات كافة بدعم الحراك الثقافي بكل ما يمكن بحيث نجد في كل مكان محفلاً شعرياً يقف إلى جانب هذا الإعلان وتحقق فعاليته، وأن تكون تلك المؤسسات رافداً لثقافتنا العربية، وأن يكون الشعر واحداً من أهم البرامج الثقافية التي تدعمها بشكل يعود بالنفع فيه على ثقافتنا المحلية.
«عام مستحق للشعر العربي»
ويبارك الشاعر صالح العمري تسمية هذا العام بعام الشعر العربي في مشاركته لـ»الثقافية» ويقول: عام مستحق بقامة الشعر العربي وجمالياته وعمقه التاريخي وعالميته وأصالته، وذلك حينما اختارت المملكة العربية السعودية عام 2023 عام الشعر العربي، كيف لا، وثرى المملكة المبارك هو الذي نبتت عليه براعم الشعر العربي حتى انطلق للعالمية، كما تطرقت لذلك في قصيدة (أنا الملكة):
كمنتْ بداياتي على صحرائها ونما الجِناسُ على شموخِ سراتي
فبداية مقالتي هذه ستكون بمقاطع شعرية لها دلالة فخر للمملكة العربية السعودية جسدتها من خلال الشعر العربي في رسائل فخر وحب لبلادي الأبية .
الوقفة الأولى مع المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله بقولي:
رأيتكَ شامخاً كالمعجزاتِ أيا وطناً نحبك كالحياة
بمنزلة على الأوطانِ تسمو كمنزلة السجودِ من الصلاةِ
أتم بناكَ في أرض المعالي وأسسك المؤسس ُ في ثباتِ
بحد السيفِ ترغيباً وقهراً على متن الجياد الصافناتِ
جزاهُ اللهُ عنا كل خيرٍ ملم الشعثَ من بعد الشتاتِ
وأوردَ حوضَ سيدنا جزاءً وأُسكنَ في الجنانِ الخالداتِ
ثم أثني بسلمان الحزم حيث قلتُ:
سلم على سلمانَ حامي سلمنا سيفٌ لنصرِ الحقِ والإسلامِ
سلمانُ قد ترك الكلامَ لغيرهِ وسرى بليلٍ الفعلِ للظُّلامِ
الفعلُ يفعلهُ بصمتٍ فاعلٍ والصمتُ فعلٌ في ذوي الأفهامِ
ثم سمو ولي العهد مهندس الرؤية المباركة، حيث قلت:
عزمٌ تشكلَ للقتالِ عن المصير فمحمدٌ قد سارَ هيّا كي نسير
هجمَ الفسادُ مُكشراً أنيابهُ فاستلَّ سيف العزمِ والرأي الشهير
ما بعدُ لا ما قبلُ قبلةٌ حُلمِنا بجناحهِ حلمٌ تهيأ كي نطير
واختيار هذا العام للشعر العربي، ربما هي خطوة مهمة للرؤية المباركة للتركيز على إبداع الشعر العربي في المملكة وتصديره للعالم كواجهة أدبية ثقافية معرفية حضارية تواكب ريادة المملكة في مجالاتها الاقتصادية ومكانتها الدولية.
«المملكة تزهى بالشعر العربي»
وقالت الأستاذة عهود اليامي، باحثة دكتوراه في الإدارة والتخطيط التربوي: لطالما كان الشعر في قلب الثقافة العربية حيث بدأ في شبه الجزيرة العربية منذ أكثر من 1500 عام، واستمر الشعراء بكتابة الشعر والقائه تعبيراً عن الفرح والحزن والهجاء والمديح وغيرها.
وتأتي جهود مملكتنا في إبراز الجانب الثقافي الأصيل فبعد عام الخط العربي (2021) وعام القهوة السعودية (2022)، تحتفي المملكة هذا العام بالشعر العربي، وهذه المبادرة تسهم بشكل كبير في تعزيز الثقافة العربية حيث تقوي من اعتزازنا بعراقة الشعر العربي على مر العصور وتعرّف الأجيال بأهمية موروثنا الشعري والاحتفاء بالشعر العربي في الوقت الحالي.
وقد احتضنت المملكة أبرز الشعراء مثل امرؤ القيس والأعشى وعنترة بن شداد، فلا عجب أن يمتد هذا الإبداع عبر الأجيال، وتتعدد طرق الاحتفاء بالشعر والشعراء حيث نتوقع أن نستمتع هذا العام بزخم الأمسيات الشعرية باختلاف أنواعها وفي كل مناطق المملكة، ويأتي دور المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية والأندية الثقافية في تفعيل المبادرات في هذا العام سواء بإقامة الأمسيات أو المسابقات التي تكشف عن تجارب صاعدة في الشعر.
وبلا شك نثمن قرار مجلس الوزراء بالاحتفاء بالشعر العربي، وسنسعى في الأوساط الثقافية بتحقيق رسالة وزارة الثقافة وذلك بإحياء تاريخ الشعر العربي العريق، وتعزيز حضوره في الحضارة الإنسانية، وإرساء قواعد ثرائه المستقبلي، وإحلاله مكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه، ووصولاً إلى شعرٌ عربيٌ أصيل، ذو ماضٍ عريق، وحاضر حي، ومستقبل مزدهر...
«عام الشعر عام الوطن»
واعتبر الدكتور الشاعر أحمد بن سليمان اللهيب أن الاحتفاء بالشعر أيقونة حضارية ممتدة الجذور في تاريخ هذا الوطن الغالي وتأكيدًا أصلاً على أن هذه الأرض المباركة منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى وقتنا الحاضر، وقال: هي مهد الشعر ومداره ولا أدلّ على ذلك من وجود أسماء عديدة في تاريخ الشعر كان مولدها وكانت نشأتها وصار إبداعها في هذه الأرض وهذا الوطن، وليس اختيار هذا العام 2023 عامًا للشعر إلا تأكيدا على رسوخ هذه القيمة الإبداعية الكبرى في ذاكرة الوطن، فالشعر سيكون حاضرًا، وسيخلد تاريخًا رائعًا وسيكون له أثر فاعل في تراث هذا الوطن. وحين يكون هذا الاحتفاء نابعاً من قيادة واعية ورؤية عميقة يكون التأثير أكثر وأقوى، فالشعر العربي منذ أزمنته الأولى وهو يتعمق في ذاكرة الإنسان بكل ما فيه من صور ومعانٍ ولغة، وهذا الاحتفاء سيكون في الوقت الحاضر علامة بارزة لترسيخ منجزات هذا الوطن وتأكيدها في الثقافة العربية، فالقصيدة حين تكتب وتنشر وتلقى وتنشد يمتد حضورها ويتسع أفقها وتنتقل من جيل إلى جيل حافظة أسماء قيادتنا ورموز وطننا وعطاء بلادنا وتطور حضارتنا؛ فترسم صورة في ذهن المتلقي لينقل للعالم ما في وطننا من شموخ وعزة وما فيه من تاريخ وقيم، وتظل هذه القصيدة متوارثة عبر الأجيال تنقل لهم ما حققه هذا الوطن من إنجازات ومفاخر تظل في جبين الشمس تشعّ نورًا وتكسو ملامح الليل جمالاً؛ ليكون كل عام هو عام للشعر وكل شعر هو شعر للوطن.
«عام الشعر العربي»
كما التقت «الثقافية» بالشاعرة والكاتبة د.بديعة كشغري وأبدت عن سعادتها بهذه المناسبة وقالت: أن يطل علينا العام الجديد بنبأ موافقة المقام السامي بتسميته بـ»عام الشعر العربي» فذلك لعمري حدث قيم والتفاتة كريمة لها أبعادها الحضارية الضاربة بجذورها في تاريخ الجزيرة العربية وما تمتلك من دور أصيل في بناء التاريخ الأدبي والشعري الذي كان ولا يزال منطلقاً ورافداً لأهم الروائع الأدبية.
فالشعر هو أحد أهم الفنون الأدبية التي تعززت هويتها الإنسانية في رحاب الجزيرة العربية، ما جعلها موئلاً للثقافة العربية على مدى العصور.
لا شك أن هذه البادرة الحضارية تكتنز بمدلولاتها التي تحتفي بالشعر كمنجز وإرث حضاري أصيل؛ مثلما تحتفي بدور الجزيرة العربية وتعمق من قيم الاعتزاز بهذا التراث الإبداعي الذي يحمله المثقف العربي كمصدر إلهام عبر وعيه الفردي والجمعي، ولعلنا نتلمس في هذه ا لالتفاتة أيضاً أن الإبداع السعودي ما هو إلا امتداد لهذا الوعي الأدبي والإنساني والذي يراهن على تأصيل قيمة الشعر ودوره كمعطى إنساني حاضرًا ومستقبلاً.
فهنيئاً للمثقف العربي والسعودي على هذا الأفق التكريمي للشعر والذي ينفتح على آفاق المعرفة والإرث والإبداع.