د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قد تتوالى همزتان في أول اللفظ متحركة فساكنة، فإن كانت الحركة فتحة قلبت الساكنة ألفًا حسب الصرفيين، نحو قوله تعالى {آمنوا كما آمن الناس{ [13-البقرة]، وإن كانت ضمة قلبت واوًا نحو قوله تعالى {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى} [136-البقرة]، وإن كانت كسرة قلبت ياءً نحو قوله تعالى {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ}[2- قريش]، والخط واللفظ متطابقان بدئ باللفظ أم جاء في الدرج، وهذا مطرد في الهمزتين إن كانتا همزتي قطع؛ ولكن إن كانت أولى الهمزتين همزة وصل فإن قلب الهمزة الآخرة لا يكون إلا إن بدئ التلفظ بهمزة الوصل، فإن وقع اللفظ في الدرج صحت الهمزة الآخرة؛ لأن همزة الوصل لا يؤتى بها فلا تجتمع همزتان، وبيان هذا ما ذكره الغلاييني «الأمر من المهموز الأول، إن نُطِقَ به ابتداءً، فإن همزته تنقلبُ واوًا، إن ضُمَّ ما قبلها، مثلُ (أُومُلْ يا زُهيرُ الخيرَ)، وياءً إن كُسِرَ ما قبلَها مثلُ (إيتِ يا أُسامةُ المعروفَ) فإن نُطقَ به موصولًا بما قبَلهُ، ثبتت همزته على حالها، مثلُ (يا زهير اؤْمُل الخيرَ، ويا أُسامةُ ائْت المعروفَ)»(1).
يبين الغلاييني لنا حال اللفظ لا الخطّ؛ ولذا رسَم همزة (أومل) بالقطع وهي همزة وصل، ويظهر لفعل الأمر من (أتى) حالان إحداهما بالياء (إيتِ) والأخرى (ائتِ)، فكيف نحقق ذلك في الخط؟ فكل لفظ بدئ به يصلح أن يكون في الدرج، ولذلك يشكل عندي ما كتب من قول ابن مالك «والمثل كقولهم (كلَّ شيء ولا شتيمةَ حُرّ) أي ايتِ ولا ترتكبْ»(2).
لا شكّ أن ما بعد (أيْ) موضع استئناف؛ ولكن الوصل غير مدفوع، وهو أمر يقتضي لفظ الفعل بتصحيح الفاء (ائت)، وقريب من هذا الوضع حال الفعل في قوله تعالى {َيا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [77- الأعراف]. قال القاضي عن (يا صالح ائتنا) «أبدل همزة حالة وصل صالح بائتنا ورش والسوسي وأبو جعفر، سواء وقفوا على ائتنا أم وصلوه بما بعده، وكذلك حمزة إذا وقف على ائتنا، وأما عند الوقف على صالح والابتداء بائتنا فالجميع يبتدئون بهمزة وصل مكسورة مع إبدال الهمزة ياء ساكنة مدية»(3).
قد يقال إن جاء الفعل (ائت) في بداية كلام ليس مظنة أن يسبق بغيره فإنّ همزته تعلّ، فتكتب بالياء (ايتِ)، وإن جاء في بداية كلام يصح أن يستأنف الفعل فيه أو يوصل فإن همزته تصح فيكتب (ائتِ)، فإن وصل الكلام أعلت في اللفظ لا الخط.
والجواب عن ذلك أن همزة الوصل نفسها تقطع في اللفظ وتوصل، فإن بدئ بها أو استُؤنف قطعت لفظًا وأما في الوصل فهي وصل، ومع أن لها حالين في اللفظ اقتُصر في كَتْبها على حال واحدة هي حالها في الوصل.
وقريب من هذا حال لام التعريف فهي تبدل مع الحروف الشمسية وتصح مع الحروف القمرية، فلها في اللفظ حالان ولكن اقتصر في الكَتْب على حال واحدة هي حالها عند ملاقاة الحروف القمرية، نحو قوله تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [1، 2- الشمس]
ومثل ذلك حال أواخر الكلم المتحركة؛ فهي في الوصل يتلفظ بحركتها وفي الوقف تحذف حركتها لفظًا؛ ولكن روعي في الكتْب حال الوصل لا الوقف فأثبتت الحركة، نحو قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [2- العلق].
والذي أرجحه أنّ الفعل (ائتِ) ونحوه ينبغي كتبه بهذه الصورة في كل أحواله أعلت الهمزة أم صحت، فيقل:
-ائت يا زيدُ مبكرًا. (ولكن الفعل ينطق ايت).
-وَائْت يا زيدُ مبكرًا.
*__* *__* *__* *__*
(1) مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، 1: 226.
(2) ابن مالك، شرح التسهيل، 2: 158.
(3) عبدالفتاح القاضي، البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة، ص: 119.