على الرغم من عدد صفحات الكتاب القليلة، إلا أن المؤلف مارك أليزار وهو فيلسوف فرنسي يقدم لصنّاع القرار الأدوات التحليلية الضرورية لفهم المخاطر التي يتعرض لها عالمنا المعاصر بسبب التغير الناتج عن الاحتباس المناخي. فإذا كان الإنسان يتمتع بعبقرية فذة تجعله قادرا على تغيير المناخ إلى الأسوأ، فيجب عليه أن يخلق نفس هذه العبقرية التي تمكنه من المحافظة على المناخ وتحويله إلى الأفضل.
بداية يؤكد مارك أليزار أنه لا توجد أزمة مناخ، بل توجد إرادة سياسية لجعل المناخ في أزمة: هذه هي الأطروحة الاستفزازية التي يدافع عنها المؤلف ويشدّد من خلالها على أن الدول الغنية لا تترك غاباتها تحترق فحسب ولكنها هي التي تحرقها بنفسها، ولا تكتفي بعدم تطبيق اتفاقيات باريس، بل إنها تتحايل عليها بشكل علنيّ.
يذكرنا هذا التحذير بما قاله الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك باسم فرنسا في القمة الرابعة للأرض التي انعقدت في جوهانسبرج في سبتمبر 2002:
«يحترق بيتنا ونحن ننظر إلى خارج البيت. وبما أن الطبيعة يتم تشويهها واستغلالها استغلالا مفرطا، فمن المستبعد أن تعود إلى ما كانت عليه ولهذا فإننا نرفض أن نقبل بهذه الطبيعة. إن الإنسانية تعاني: إنها تعاني من سوء التنمية، في الشمال كما في الجنوب، ونحن لا نبالي. وبما أن الأرض والبشر في خطر فنحن مسئولون جميعا.»
من جديد، يذكر مارك أليزار أننا لا نستطيع الجزم بأن هذه الدول تفعل ما يكفي لإنقاذ الكوكب، بل على العكس إنها تفعل كل شيء لتدميره. فالتغير المناخي يخلق عددًا لا يحصى من الخاسرين على الرغم من وجود بعض الفائزين. فبينما يراهن الأثرياء على انهيار العالَم نتيجة لتغير المناخ، يفكر آخرون، في أشياء ثانوية كسوق الأسهم ويراهنون على انخفاض أو زيادة قيمتها.
يطرح المؤلف عدة استفسارات فيقول: أيجب علينا إحباط مؤامرة تتعلق « بفاشية الكاربون « التي تُحاك ضد الإنسانية؟ كيف يمكن ذلك؟ متى يجب البدء في التحفيز على تبنى مفهوم «عِلم بيئي اجتماعي» حقيقي؟ أيتعلق الأمر بالحرب على المناخ؟
يذكر المؤلف مارك أليزار في كتابه «الانقلاب المناخي» أن الاحتباس الحراري لا يمكن أن يكون أكذوبة يتم الترويج لها من أجل الإثراء الفاحش لعدد قليل من أصحاب رؤوس الأموال المليارديرية ومن المتآمرين على هذا الكون، ولكن وفقا لرؤية المؤلف فإن الاحتباس الحراري له دلالة سياسية وبالتالي يجب وضع تفسير محدد له ويجب معالجته من وجهة نظر سياسية بحتة، ودليله على ذلك أن قضية الاحتباس الحراري تثير حفيظة النخب الحاكمة فقط. وبصرف النظر عن إمكانية مكافحة الاحتباس الحراري من عدمه، فإن هذه النخب تفعل كل شيء بغرض الوقوع في فخ الاحتباس الحراري عن طريق نظرية الازدواجية السياسية المكيافيلية التي تعمل على إثراء البعض على حساب البعض الآخر من جهة وتعمل أيضا على تبرير سيطرة البعض التي تقترب من حدود الفكر الشمولي على البعض الآخر من جهة ثانية.
يذكر كتاب «الانقلاب المناخي» أنه في الوقت الذي انهارت فيه الرأسمالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فإن «البرجوازية الكبرى»، كما كان الحال إبّان حقبة سنوات المحنة القاتمة في القرن العشرين، قادت العالم إلى سياسات فاشلة: عندما دخلت الرأسمالية في خضم أزمة فائض في الإنتاج في الأعوام 1929-1933 بعد عقود من النمو المتسارع وغير المتكافئ الذي يعتمد إلى حد كبير على تراكم الديون.
يذكر مؤلف كتاب «الانقلاب المناخي» أن النخب الحاكمة على مستوى العالم تعرف إلى أين نحن ذاهبون، ولكنهم لا يرغبون في التصريح بمخاطر الاحتباس الحراري، ويضرب أمثلة على ذلك بالدول الكبرى التي لا تهتم بالمناخ: فقد انسحب ترامب من اتفاقية باريس كما أن بوتين لا يكترث بذوبان الجليد ولا يفعل شيئًا لإخماد الحرائق التي تعصف بالغابات التي تعتبر بمثابة الرئة التي نتنفس من خلالها.
إن ظاهرة الاحتباس الحراري لا يمكن التنبؤ بعواقبها في جميع أنحاء الكوكب. حتما سيؤدي الاحترار إلى ذوبان الجليد في مساحات شاسعة من ألاسكا وسيبيريا وستصبح الحياة في المناطق الاستوائية وخط الاستواء مستحيلة.
لكن ماذا سيحدث بسبب التغير المناخي؟
يذكر مؤلف كتاب «الانقلاب المناخي» أن التغير المناخي سيجعل الشعوب الغربية تعترض على الموجات المهاجرة التي تأتي من الجنوب وستجعلهم يتخوفون من عدم إمكانية السيطرة على هذه الموجات التي تنحصر أسبابها في حزمة من الأزمات مرتبطة بالجفاف والأعاصير المدمرة. إذا سوف ترتمي الشعوب الغربية حتما في أحضان نخبها الحاكمة التي تعِدُهم بتوفير النظام والأمن واستمرار أنماط الاستهلاك لديهم. ولأن التأثير السلبي للاحتباس الحراري سينعكس على دول الجنوب بشكل أساسي، فسيحاول فقراء هذه الدول الهجرة إلى المناطق المعتدلة في نص ف الكرة الشمالي وسيترتب على ذلك زيادة كراهية الأجانب في تلك البلدان.
مع ذلك يعتقد مؤلف كتاب «الانقلاب المناخي» أن النخب الحاكمة سوف تعاني أيضا من الحرارة والعواصف والأوبئة مثل أي شخص آخر لأنها تعيش على نفس الكوكب الذي تعيش فيه شعوبهم. كما أنه يعتقد أن النشاط الصناعي غير المنظم للرأسمالية التي تتبناها هذه النخب يتسبب في أنماط من الاستهلاك المفرط للنفط الذي يؤدي بدوره إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومن وجهة نظر مؤلف كتاب «الانقلاب المناخي»، فإن التهديد البيئي المميت الذي يواجه العالم الغربي اليوم يجب مجابهته عن طريق خلق تحالف واسع بين علماء البيئة والاشتراكيين والشيوعيين من أجل التخطيط المستقبلي لمكافحة الاحتباس الحراري.
** **
د. أيمن منير - أكاديمي ومترجم فوري