الكويت - خاص بـ«الجزيرة»:
نبهت أكاديمية متخصصة في العلوم الشرعية من خطورة غفلة الإنسان وتماهيه بمحاكاة لا شعورية قد تصل إلى حد تغييب العقل مع ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي، مما يفتتن بما تبثه من أفكار أو أخلاق أو مبادئ.
وقالت الدكتورة سارة بنت متلع القحطاني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت في حديثها لـ»الجزيرة»: تصطبغ أفكارنا ومشاعرنا ومفاهيمنا تجاه القضايا والكليات بمجريات الحياة مما نراه أو نسمعه شئنا أم أبينا، ومع توظيف التكنولوجيا في أساليب التواصل، وتلون الصرعات الفكرية، أصبح لوسائل التواصل النصيب الأوفر من تلك الصبغة لكونها واسعة المدى من جهة، ولسهولة استخدامها من جهة أخرى.
وشددت الدكتورة سارة القحطاني: إن تفاصيل حياتنا غصت بآخر تحديث وآخر خبر وآخر موضة والوسم المتصدر وعلى مدار الساعة مما تنشره وسائل التواصل، حتى باتت مسارات الحياة الهانئة والمستقرة والمطمئنة مسدودة بأفكار مسمومة وأقذاء مميتة للفطرة وأكدار موجهة لصناعة السخف والسفاهة وتحجيم العقل، مما يتطلب القيام بأمرين:
الأول: عملية إنعاش لمعاني الحياة في القلب والفكر والنفس، وتصفية لموارد السمع والبصر؛ لتستطيع الحكم على الأشياء بمعايير نقية وصافية من صبغة السخف والسفاهة والسكر بالملذات.
ولئن سألت: كيف تتم عملية الإنعاش للقلب والنفس والفكر؟ فدونك قوله تعالى:
-(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ * فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ * وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)، (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ * وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا)، (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا).
إنه القرآن؛ فبقدر قربك منه تنتعش حياتك وتتنفس أفكارك وترى الأشياء على حقيقتها وتمدك آياته بالقوة الكافية لتحكم على الأشياء كما هي، لا كما يصورها لك الهوى والشيطان ووسائل التواصل؛ «بل سمي القرآن (ذكرا) لأنه يذكر الناس بما هم عنه غافلون، ووصف بأنه (رحمة) لأنَّ القرآن عطاءٌ على محتاج!.
فمن مزايا الخطاب القرآني أنه يأخذ المتلقي إلى زوايا غير متوقعة لإيجاد الحل، وبينما يختلف الناس بسبب مرجعياتهم الأرضية في الحل، يأخذك الخطابُ القرآني بمعارج قرآنية إلى السماء فتنظر إلى الأفكار من علو؛ فمن أحيى القرآن في يومه؛ لاحظ العلاقة بين ما يراه ويمر به في يومه وبين ما يقرأه فيه فلا يكاد يزيغ بل إن صاحب القرآن لا يفتأ من عرض أقوال الناس ونتائج أفكارهم على القرآن ليميز بآياته الخبيث من الطيب وإن تعجب فأعجب كيف أن معانيه يأنس بعضها ببعض، فتترسخ في النفس مفاهيم وحقائق تعيد ترتيب حياتك وأولوياتك بكل هدوء واتزان وبصيرة».
بل إن من يستثير القرآن بتلاوته وتدبره يجد لحيرته النهاية، ولهدايته البداية، ولسعادته المنتهي. وقد يكون ذلك بآية رددها في نفسه حتى امتلأ قلبه بمعانيها فاكتفى.
والأمر الثاني يكون ببناء حصن فكري ونفسي وعملي على معنى أن تحفظ دينك من التماهي مع ما يعرض على سمعك وبصرك وفؤادك من مضلات فتن الليل والنهار، وهو ما يسميه الشاطبي حفظ الدين من جهة العدم، ذلك {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، مما يعنى وجوب أن يبني كلٌ منّا حصنا يحفظ إيمانه، وآخر يحفظ إسلامه وثالث يحفظ أخلاقه، ومكونات هذا الحصن هي الحرص على أداء التكاليف الشرعية المتمثلة في أركان الإيمان وأركان الإسلام، ومكارم الأخلاق.
فلما كان الإيمان يزيد وينقص، فقوة هذا الحصن تزيد بالطاعات وتنقص بالمعاصي، وينبغي الحرص على ما يزيد إيمانك ويقوي إسلامك ويرفعك إلى مقام المكرمين في الدنيا والآخرة، فإن لم تستطع فلا أقل من أن تحفظ إيمانك وإسلامك وخلقك من مضلات الفتن حتى لا يؤول إلى العدم، والإيمان يحفظ بتقوية مراقبة الله في النفس واستحضار أسمائه الحسنى في مواقف الحياة، والإسلام يحفظ بإقامة الشعائر، وسلامة المظاهر، والأخلاق تحفظ بإتيان حميد فعالها، وترك سيئها، وعدم التهاون في ذلك.