سلمان بن محمد العُمري
في حياتنا العلمية والعملية والاجتماعية تتطلب مقتضيات الحياة أن نتعامل مع العديد من الناس من الزملاء والأصحاب وقبل ذلك الأهل والأقرباء، ومما لاشك فيه ولا جدال فإن الناس تتفاوت في تفكيرها وعقولها وإدراكها وطبيعتها المزاجية بل وإيمانها، ولذا فمن الطبيعي أننا سنجد من بين هؤلاء العاقل المدرك، والطائش المتهور، ونجد الحليم ونجد الأحمق ونجد الكريم وكذلك البخيل، ونرى الشهم كما نرى اللئيم، ونشاهد المتفائل ونشاهد المتشائم وهكذا هي طبيعة البشر، ولكن يتبقى الأهم، وهو ما الذي يجب أن نكون عليه نحن قبل أن نطلب من الآخرين تعديل سلوكهم إلى الإيجابية وعدم السلبية، وإلى التعاون والتصافي وليس التنازع والتجافي.
والأشخاص الأذكياء يتجنبون الجدل الذي لا فائدة منه، ولذلك من علامات الذكاء «التغافل»، وذلك تجنباً للمشاكل، وراحة البال التي تحتاج إلى شيئين: الصمت، والكثير من التغافل، ومما قرأت وراق لي في هذا الأمر قول أحدهم: الحياة تحتاج أحياناً إلى تجاهل.. تجاهل أحداث. .تجاهل أشخاص.. تجاهل أفعال.. تجاهل أقوال، فعود نفسك على التجاهل الذكي فليس كل أمر يستحق وقوفك، وقال آخر: اجعل في حياتك حفرة صغيرة ترمي فيها أخطاء من حولك، المهم أن تنسى أيضاً مكان الحفرة حتى لا تعود إليها لحظات الخصام، وأبرز من ذلك ما قاله الإمام أحمد- رحمه الله- (تسعة أعشار العافية في التغافل)، وعندما نرى شخصاً موفقاً يتجاهل كل ما يزعجه لا نصفه بأنه إنسان بارد ولكنه إنسان اشترى راحة باله وارتقى بنفسه عما يكدر سعادته وتجنب الجدال والخصام والنقاش الذي لا يجدي.
وإذا كان التغافل مطلوباً فيما تراه حقاً لك فإن من الأولى والأجدر لزوم الراحة الكاملة بعدم مراقبة الآخرين، وعدم التدخل فيما لا يعنيك، وهذه ليست أنانية ولكن تجنب أن تدس أنفك في خصوصيات الآخرين مالم يطلبوا منك الرأي والمشورة فيما يواجههم وعند ذلك فامحضهم النصيحة، والمستشار مؤتمن، وقدم لهم ما تبرأ به الذمة والأمانة، وليس ما يطيب خواطرهم بحق أو باطل فهذا من الغش، ولابد أن تكون النصيحة توجيهاً لا تعنيفاً وإرشاداً، لا إفساداً وتحبيباً لا تخبيباً، وبما يرضي الله سبحانه وتعالى.
وهذا التغافل والتجاهل لا يعنى أن يلوذ الإنسان بنفسه ولا يعاشر الآخرين ولا يجتمع بهم ولا ينفعهم بل الأمر خلاف ذلك؛ فلابد من جبر الخواطر وقضاء حوائج الناس وإسداء الكلمة الطيبة والبسمة الصادقة وإحسان الظن بالآخرين، والإفادة بالعلم الصحيح، وبث التفاؤل والطمأنينة في قلوب الآخرين وكل ذلك بالتي هي أحسن وترك ما لا يعنيك وترك التحليلات والاستنتاجات وإساءة الظنون فإن هذا من مداخل الشيطان حتى وإن أراد الخير، ولربما طال صاحب الخير الأذى، ولكن هنا يأتي أثر الصبر واحتساب الأجر والتمهل والصبر على المحيطين والصفح والعفو.
خاتمة: التغافل عن عيوب الناس من أجمل الأخلاق وأرفعها، فما بالك إن كان مع من نحب.