رضا إبراهيم
شكَّلت «العاطفة» أكبر جزء من حياتنا اليومية في التعامل والتعايش والإنتاج والاستهلاك ... إلخ، ولأن العاطفة حالة ذهنية كثيفة تظهر بطريقة آلية بالجهاز العصبي، وتستدعي كافة الحالات لدينا (النفسية والسلبية والإيجابية) فهي تُعد بالنسبة للأعمال التجارية وبالأخص عند الترويج للعلامة التجارية، بمثابة مفتاح السر وحجر الزاوية لإنجاح تلك الأعمال.
وحالة ما إذا كانت العلامة التجارية تنقل بصورة عاطفية، فإن الأسطورة المنسوجة حولها قد تتحول إلى حقيقة مؤكدة، بالنسبة للأفراد الذين يدينون لها بالولاء، فالعاطفة على شاكلة الأسطورة، يصعب عليها أن تشق طريقها وأن تترسخ وأن تنتهي، ما يعني ضرورة توافق العروض مع الوعود الخاصة بالعلامة التجارية، حتى لا يتعرض كلاهما إلى خطر التلاشي أو الزوال، والمعلوم أن الحماسة المعلن عنه للعلامة التجارية وما تفعله، يمكن أن تكون بمثابة صورة من صور «المعلومات الناعمة» التي تؤثِّر على المستهلكين بطريقة متكافئة إلى حد كبير لإبداع الإعلانات أو النفقات المتوقعة.
وطالما ركَّزت الفكرة الأساسية لتقبل المستهلكين، على الرسائل المتعلقة بشغف العلامة التجارية على العاطفة بإعلاناتها، حيث إنها تعمل من خلال بعدين رئيسيين، الأول عبارة عن عملية معرفية يمكنها التركيز على العلامة التجارية لرفع التوقعات بجهدها وبجودة المنتجات، بينما النمط الأخير فهو للنقل العاطفي، وذلك عبر التركيز على مشاعر العلامة التجارية، لزيادة الجاذبية العاطفية وتأثيرات الإعلانات.
ولكي يصبح العملاء مرتبطين عاطفياً بالعلامة التجارية، يجب القيام ببناء سرد يمكن امتلاكه، والجزء الأكثر صعوبة والأكثر قيمة لإنشاء علامة تجارية عاطفية، هو بناء سرد يعكس العلامة التجارية، لكنه أيضا وثيق الصلة بالمستهلك النهائي، وتحديد المستهلك المستهدف بوضوح دون المحاولة بأن تكون كل الأشياء لكل الأفراد، ما يعني الغوص بعمق في ما يقدم من منتج أو خدمة ومن سيستفيد منها أكثر من غيرها، وعند العمل بجدية لكي تصبح العلامة التجارية شغوفة، من المهم أن تفهم الشركة القيمة التي تقدمها للمستهلك، نظرًا لاحتياج العلامات التجارية إلى أن تسأل نفسها عن سبب ملاءمتها للجمهور المستهدف.
ولكونه أكثر من مجرد حديث عن الميزات والفوائد، يتعلق الأمر بتمكين المستهلك من الارتباط عاطفياً، بحيث تصبح العلامة التجارية جزءاً من أسلوب حياته، وإدراكه تماماً وعدم نسيانه محاولة العلامة التجارية تضليله أحياناً، ولأن المستهلك أصبح اليوم على اطلاع ودراية ولديه من الذكاء ما يُمكِنهُ من إبداء الرأي، وعلى استعداد لمشاركة أفكاره مع العالم، فمن الضروري أن تُبنى العلامات التجارية الشغوفة بنفس (القوة) التي يتمتع بها المستهلك اليوم، من خلال الانفتاح والصدق في كل ما تفعله.
ما يعني أن الشفافية تُشيد جسور الثقة بين العلامة التجارية وبين المستهلكين المستهدفين، فإذا ما انهارت ثقة المستهلكين بقصص العلامات التجارية، فسوف يعتبرون أن رسائل تلك العلامات لا تعدو أن تكون خدعة أو كذبة كبرى، عند ذلك سيكون السقوط من أعلى قمم النجاح سريعاً جداً، بل ومريعاً لأبعد حد، ولتفادي ومواجهة ذلك المصير السيئ، يتعين على المؤسسة إثبات أن لديها أسساً قوية لدعم الوعود الخاصة بعلامتها التجارية.
وعندما تكون العلامة التجارية ناشئة، أو ما زالت في مرحة النمو، أو تتطلع إلى إعادة ابتكار نفسها، يجب أن يكون أصحابها أذكياء عند اتخاذ أي قرار، والتأكد من تحديد ما تحاول العلامة التجارية تحقيقه بوضوح، وما الذي يتطلبه الأمر للوصول إليه، وما هي الموارد التي سوف يتم تخصيصها لضمان حدوث ذلك الأمر، لأن القرارات الخاطئة بجانب عرقلتها الخطط تصرف الانتباه أيضاً عن الأهداف العامة.
ونمو العاطفة تجاه العلامة التجارية، يحدث عادةً عبر مجموعة محدودة من المستهلكين الأكثر حماسة، ممن هم على اقتناع بمهمتها وجودة منتجها أو منتجاتها، والطريقة التي تتواصل بها العلامة التجارية، وأي شركة أو مؤسسة ترغب بأن ينظر إليها على أنها علامة تجارية شغوفة، تُظهر «سبباً للاعتقاد»، وهي نقطة شغف يمكن للمستهلكين أن يلتفوا حولها، فعدم تشكيل سبباً للاعتقاد تصبح العلامة التجارية سلعة يخشاها الناس، لذلك يجب على القيادة العليا بالمؤسسة بناء الثقة بجميع الفئات المستهدفة، بما فيهم الموظفين والعملاء والمشترين وحتى تجار التجزئة، وأي أصحاب مصلحة أو مستفيدين آخرين.
وبالنسبة لبعض القادة يأتي هذا بشكل طبيعي إلى حد ما، ويجب على الآخرين العمل به، وفي كل الحالات لا ينبغي تجاهل أهمية سهولة الوصول، فعندما توجد حالة من عدم اليقين في القيادة فإنها تتدفق إلى الأسواق، سواءً كان ذلك بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، والعلامات التجارية العاطفية متسقة بكل ما تفعله المؤسسات التي تتبعها، كارتباط جهود العلاقات العامة الخاصة بهم بإستراتيجيتهم الاجتماعية، والتي تتماشى مع حملتهم الإبداعية وتدعمها قصة العلامة التجارية الشاملة، ويضمن هذا النوع من الاتصال بزاوية (360) درجة، تلقى المستهلك نفس المعلومات والرسائل، دون النظر لنقطة الاتصال التي يدخلها، كما أن الاستمرارية من الأمور المهمة جداً عند محاولة كسب المستهلكين وإنشاء علامة تجارية عاطفية.
وحول دور التسويق الرقمي في تعزيز العاطفة نحو العلامة التجارية، يعمل المسوّقون الرقميون المعاصرون على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها نمطاً من أنماط التوعية بالعلامة التجارية ومشاركة العملاء، والتسويق الرقمي يمكن أن يكون له تأثير فعلي بشكل أعمق على المستوى العاطفي للمستخدمين، وتلك الوسائل باتت قادرة أيضاً على تحفيز نوايا الشراء كنقطة خلاف شائعة، لتوليد نية شراء بأذهان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يكون الاستخدام الفعَّال للوسائل والاتصالات التسويقية محفزاً على زيادة العاطفة، وشغوفاً بالعلامات التجارية المعلن عنها بأذهان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التحريض على نية شراء العلامة التجارية.
ويُعد استخدام الوسائط الاجتماعية لإشراك العملاء عبر «شبكة المعلومات الدولية» تكتيكاً ذكياً جداً، يمكن للمسوّقين الرقميين استخدامه بهدف ربط العلامة التجارية المعلن عنها عاطفياً بمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وخير مثال نجاح شركة (مودكلوث (Modcloth في النمو بصورة سريعة عبر شبكة المعلومات الدولية، ومودكلوث شركة بيع تجزئة أمريكية عبر الإنترنت مقرها «لوس أنجلوس» متخصصة في الملابس والإكسسوارات والديكورات القديمة والمستوحاة من الطراز القديم، وهي واحدة من أشهر بائعي التجزئة للملابس على الإنترنت، وتاريخ الشركة يرجع لعام 2002م عندما بدأت مؤسِسة الشركة سوزان جريج العمل داخل بيتها مع زوجها إريك كوجر الذي كان لديه خبرة في استضافة وتصميم مواقع الويب لتجار التجزئة، وتقديم الدعم الفني للموقع.
وبينما قدمت سوزان شغفاً بالأزياء العتيقة الفريدة وبأسعار معقولة، ولربط النمو السريع للشركة ومتابعتها القوية بالمشاركة الفريدة لعملائها في عملية اتخاذ القرار، بشأن المنتج واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، نظَّمت مودكلوث عام 2012م مسابقة لصنع منتجات مبتكرة بناءً على أفكار المستهلكين، وتمت دعوة العملاء لتقديم رسومات الملابس عبر مدونات «تويتر وفيسبوك» والعديد من المدونات الأخرى، وتم التصويت عليها من قبل مستخدمين آخرين، وكان الفائزون بالمسابقة قد تم تكييف رسوماتهم مع ملابس حقيقية لخط الربيع، مع كل منتج من منتجات الملابس القطنية، التي تعرض اسم الفنان المطبوع على الملصق، بجانب ذلك هناك طريقة أخرى تميزت بها مودكلوث عن بائعي التجزئة الآخرين عبر الإنترنت، وهي أنها صَممت تجربة المستخدم لتصل إلى ما يشبه التنقل بين رفوف المتجر، بغض النظر عن النظام الأساسي للوسائط التي تستخدم كوسائل التواصل الاجتماعي، أو موقع الويب أو تطبيق الهواتف الجوالة.
وخلاصة القول: لكي تركز المؤسسة على تفرد الذاتية المميزة لعلامة تجارية خاصة بالمنتجات والخدمات التي تقدمها، يجب عليها أن تتذكر المعادلة القائلة (إن العواطف المتكررة تشكل الأساس للسمات التي تشكِّل بدورها الذاتية) أي أنه بجانب منظومات المعتقدات والسعي للانتماء إلى جماعة يوجد هناك سبب أساسي آخراً، يتمثّل في أن بناء العلامة التجارية مسألة عاطفية عميقة، تتضمن ذاتية مميزة بعلامة تجارية، وتمكن أيضاً المستهلكين من التعبير عن أنفسهم بطريقة رمزية، أو من خلال الأبعاد الانتقائية لأنفسهم، فيما يخص العلامة التجارية، إضافة إلى تضمنها سياقاً مميزاً وثابتاً نسبياً لعروض المؤسسة، وهو ما يميز بقوة بينها وبين عروض المؤسسات الأخرى.
بجانب العمل على دعم المستهلكين واختياراتهم واستخداماتهم، وتقديم قواسم عاطفية مشتركة تساعد في تسويق علامة تجارية على النطاق المحلى والعالمي وعبر مختلف الثقافات، ولأن التميز والوعي يكفيان لإعطاء هوية، فعند القيام بتصميم ذاتية جذابة ولافتة لعلامة تجارية، يتعين على المؤسسة عدم الاكتراث بأن تصبح وجهاً مألوفاً فقط، ولكن وجهاً لصديق أيضاً، عند ذلك فقط يمكن للعلامة التجارية شق طريقها، عبر مسار عاطفي مختصر داخل الأدمغة، لتمكين المستهلك من الاسترخاء والقيام بطريقة بديهية لاختيار العروض المرتكزة على العاطفة.