سهوب بغدادي
لطالما سعينا إلى تطوير الذات وتعزيز الثقة في أنفسنا و»رفع الاستحقاق» بحسب ما يطلق عليه مدربو التنمية البشرية، ونحاول أكثر بإقحام هذه المفاهيم في التربية والحياة المهنية واليومية، وغيرها. ولا بأس في ثقة الشخص في ذاته، أيضا لا ضير من البحث عن الأفضل وانتظاره في بعض المواطن، إلا أن الثقة والاستحقاق المبالغ فيه ينقلب للعكس في حالات عديدة، من المتعارف عليه بحسب ما جاء في تعريف «تأثير دانينغ- كروجر» الانحياز المعرفي الذي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم أو يعانون من وهم التفوق، فكلما ازداد العالم في التعلم عرف مدى جهله أما الجاهل هو الشخص الذي يصدح في المجالس بملء فمه ويقول أنا أعلم هذا الشيء «في جيبي» أنا الأفضل، أو «ما يحتاج لها دراسة ولا علم» فذلك موضع من المواضع التي يغتر الشخص فيها ويقع في فخ المعرفة الوهمية، أو القدرة غير الحقيقية، من موضع آخر، يرى بعض الرجال -البعض أعيدها وأكررها- أنه بمجرد وصوله لمستوى معيشي معين غالباً مرتفع أو مستقر، يمتلك الأحقية بأن يتزوج أية فتاة كانت، وإن كان متزوجًا ويرغب بالتعدد دون معرفة ظروف الفتاة أو حالتها الاجتماعية، تخبرني إحدى الطبيبات أن أغلب الأشخاص الذين يتقدمون لخطبتها يطلبون منها الزواج «مسيار» وعندما ترفض يحاجونها ممتعضين «أنت دكتورة! يعني أزين لك المسيار وش تبين» فمن الذي يعطي الشخص الحق في تشخيص وتحديد اختيارات شخص آخر؟ من هنا ننتقل لزميلة في مجال الصحافة والإعلام، التي ذكرت أنها ومثيلاتها في المجال يتقدم لهن «الرجل المعدد» دون سؤالها عن حالتها الاجتماعية وإن كانت صغيرة في العمر وبنت بنوت، وأنه «رجل لا يعيبه إلا جيبه»، حيث قال لها «رغبتي فيك للإكمال فقط، وليس عدم استقرار زواجي الأول» وكأن الإعلامية تنتظر لتسد فراغ لدى شخص يمتلك حياة متكاملة من الأساس وأطفال صغار في حاجة للرعاية وتواجد والدهم، إنه يظن أنه بامتلاكه المال الكافي والمنزل وغيرها من المتطلبات سيصبح «لقطة» في أعين النساء، إن التعدد مباح بشروط «وله أهله من الرجال والنساء» كما هو الحال مع أنواع الزيجات الأخرى، رسالة من المرأة للرجل وللجميع، «ارفع استحقاقك ولكن لا ترفعه للدرجة الي تقلل فيها من قيمة الآخرين» فلا تمتعض عندما ترفضك الفتاة لأسبابها، فكل شخص لديه أسبابه ومسوغاته وليس مطالب بتبريرها، أذكر أحد الأشخاص في دورة تختص بالثقافة الأسريةقال «عندما قررت أن أعيد تجربة الزواج بعد طلاقي، دخلت مالا يقل عن 300 بيت وجميعهم قاموا برفضي، ولا شيء يعيبني، إنه حقًا إهدار للرجال المتميزين!»، على حد تعبيره، وعند سؤال مقدم الدورة والمختص له والتوقف على مشكلته، اتضح أنه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية كتشخيص مبدئي ويظن أنه بامتلاكه بعض المقومات كالمال في حالته والمنصب -في عمر 50- يتحتم على المرأة أن توافق، فماذا تريدين أكثر من ذلك؟ يجب أن يتلمس بعضنا البعض العذر والتفكير في وجهات النظر المغايرة لآرائنا، بأن نسمح لها بالعبور بسلام دون «زن» أو طلب تبرير أو إعلان خيبة الأمل في الطرف الآخر.
«تنتهي حريتك عند حرية الآخرين» «مونتسكيو».