عبدالوهاب الفايز
شجعني للحديث مرة أخرى عن البيئة، وتحدياتها والفرص التي تقدمها، زيارة محمية الملك خالد في الثمامة السبت الماضي مع عدد من الزملاء، أعضاء جمعية كتَّاب الرأي، وكانت الزيارة فرصة لمشاهدة الجديد والمتجدّد وقصص النجاح في قطاع البيئة السعودي، وهي قصص.. حضورها نادر في إعلامنا!
الأمر الضروري الذي تحدثنا عنه الأسبوع الماضي هو أهمية (إشراك المجتمعات المحلية) في جهود حماية تنمية البيئة، ونحتاج هذه الجهود بشكل عاجل في منظومة البيئة بالذات لتدعم مشروع المركز الوطني لحماية الحياة الفطرية الحالي للسيطرة على ازدياد إعداد قرود البابون المتنامية في المناطق الجنوبية للحد من الأضرار والمشاكل التي تحدثها يومياً للناس وللممتلكات.
كانت التوصية بضرورة تبني الأشكال الجديدة في العمل الخيري السعودي مثل: إنشاء شركات (الاستثمار الاجتماعي) لتقوم بإدخال الحلول السريعة مثل تأسيس شركات لجمع الطعام الفائض من المنازل الذي يعد أحد أسباب زحف البابون إلى المناطق السكنية. والآلية الأخرى المقترحة هي إنشاء شركة للحراسات الأمنية. هذه تدخلات سريعة وضرورية لمعالجة المشاكل القائمة، وأيضاً لإدخال الناس ليكونوا شركاء رئيسيين لمواجهة تحديات البيئة.
إشراك أبناء المجتمعات المحلية ليكونوا جزءاً من الحل، نرى جانبه المفرح في عمل المحميات الملكية. لقد أصبحت المحميات أرضية عملية مُحوكمة لتفعيل جميع جهود حماية البيئة، فقد تحولت إلى مراكز وطنية لإدارة مشاريع البيئة، والتحكم في مدخلاتها ومستهدفاتها، والأهم: تجميع كل المبادرات والجهود تحت مظلتها. وأبرز نجاحات نموذج عمل المحميات نجده في سرعة (تحويل سلوك الإنسان) ليكون أبناء المجتمع هم حماة البيئة الأهم والمستفيد الأول من جهود الحماية. وهذا ذروة نجاح الحكومات حين التصدي لتحديات البيئة.
من المكتسبات السريعة وجود أكثر من 50 شاباً يعملون في الرقابة البيئة في محمية الملك خالد. وعمل هؤلاء يتضمن رصد الملاحظات في تعاملات الناس مع الطبيعة مثل السلوكيات الخاطئة لإشعال النار والاحتطاب، وأيضاً رصد رمي النفايات وإرشاد الناس إلى كيفية التعامل معها، وأيضاً التنسيق مع الأمن البيئي لضبط المخالفات النظامية. والرقابة البيئة هي مبادرة جديدة في أنظمة البيئة، ويتم إعداد البرامج التأهيلية لتخريج المراقبين البيئيين. ومنها البرنامج التدريبي الذي تنظمه المحمية بالتعاون مع جامعة المجمعة ومدته تسعة أشهر، ومصمم لرفع كفاءة المراقبين البيئيين من خلال تنمية المهارات العلمية والعملية في علوم البيئة، وإدارة الموارد الطبيعية، والسياحة البيئية، والتشريعات والقوانين البيئية المنظمة المعنية بحماية الطبيعة واللغة الإنجليزية والحاسب الآلي.
التركيز على تنمية الموارد البشرية المتخصصة في حماية البيئة مجال يتيح تنمية الآلاف الفرص الوظيفية لشبابنا وبناتنا، وإنشاء المحميات الملكية أوجدت فرصة وظيفية جديدة. ومستقبل مشاريع البيئة الخاصة أيضاً تفتح فرص العمل للشباب لتأسيس شركات تتولى خدمات الإرشاد السياحي، وتنظيم الرحلات البرية الرياضية الترفيهية. وفي محمية الملك خالد بدأت هذه الأنشطة، ويتم بناء متطلبات السلامة والجودة الضرورية لمقدمي خدمات الأنشطة المرخصة داخل المحميات.
سابقاً في مدننا، كان الاهتمام بأمور الأمن والسلامة هو الجانب المفقود في الأنشطة الترفيهية البرية المرخصة بدون ضوابط ومعايير للسلامة. وحالة الفوضى السابقة ذهب ضحيتها عشرات الأرواح من الأطفال والمراهقين والشباب بالذات من قيادة المركبات الصغيرة التي كانت تؤجرها العمالة المنتشرة قرب المنتزهات.
الحمد لله أننا نطوي تلك الصفحات المؤلمة للوضع البيئي. قبل بضع سنوات كنا حين نرى ما يتم في العالم من جهود مستدامة منظمة لحماية البيئة وإعادة ترتيب علاقتها مع الإنسان والنظم الحيوية التي تعيش في الطبيعة، ونرى الجهود الحكومية المتعاضدة مع جهود مؤسسات المجتمع الأهلي، كنا نقول: متى نرى هذه الجهود في بلادنا؟
الآن ومع (رؤية المملكة 2030) ومع مبادراتها الرئيسية، نجد أن منظومة البيئة تحظى في الأولويات الضرورية التي تحتاجها لتلافي أضرار السنوات الماضية، فقد حدثت أمور أثرت على البيئة ونتج عنها أضرار طبيعية متعددة. في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد، ومحمية الملك خالد في الثمامه هناك أرقام صادمة للأضرار التي لحقت في البيئة. على سبيل المثال، تم رفع ما يقارب 140.000 طن من نفايات البناء والمخيمات، وغيرها. وما زالت الجهود مستمرة.
أيضاً المفرح أن الحيوانات التي تم إعادة توطينها مثل غزال المها العربي والغزال الجبلي استعادت علاقتها بالأرض وتوالدت، والآن هناك ما يقارب 130 رأساً، بالإضافة إلى إعادة توطين الذئب والنيص. وهذا من ثمار الجهود العلمية المحترفة المنظمة التي يتبناها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وبقية المراكز المتخصصة في البيئة مع إدارات المحميات.
ويسند هذه الجهود المنجزة الاستمرار في تفعيل المجتمع المحلي. الاثنين الماضي أطلقت محمية الملك خالد حملة واسعة للتوعية في قضايا البيئة وتستهدف الحملة شرح الآثار الناجمة عن الممارسات الخاطئة في البيئة، وإيضاح أهمية التعاليم الدينية التي تحث على المحافظة على البيئة. أيضاً تستهدف نشر مواد تثقيفية توضح الممارسات الصحية التي تحمي البيئة وأثرها على المديين القريب والبعيد. مع التوعية بأهمية حماية الحيوانات والنباتات من الممارسات الضارة للبيئة، وأيضاً زرع الإحساس بالمسؤولية المجتمعية في نفوس الأفراد تجاه البيئة. وللمحمية جهود سابقة فقد شاركت بالمبادرة التطوعية لغرس عدد من الشتلات بالتعاون مع بلدية محافظة رماح وبمشاركة 40 طالبًا ومعلمًا من المرحلة المتوسطة.
تحريك جهود المجتمعات المحلية عبر برامج التطوع ضروري حتى تتمكن هيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية من زراعة 10 ملايين شجرة وشجيرة محلية لتنمية وزيادة الغطاء النباتي. ومساهمة المجتمع بالذات (الفئات العمرية الصغيرة) ضروري لأن الذي يزرع شجرة ويسقيها ويرعاها سوف يعرف حجم الجهد والتعب، وهذه أفضل آلية لزرع الإحساس بالمسؤولية تجاه البيئة ومكوناتها.