الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعرف الخبراء والمختصون العنف ضد الأطفال بأنه كل سلوك كان لفظي أو غير لفظي، وفيه إساءة للطفل من قبل الوالدين أو المعلمين وغيرهم، والقسوة والشدة على الصغار تأتي بنتائج عكسية على سلوكياتهم، تؤدي إلى اضطرابات نفسية، وربما إلى الشعور بالنقص.
وأثبتت الدراسات التربوية أن البيئة لها تأثير بالغ على شخصية الطفل، حيث إنه يكتب سلوكياته وقيمه ومعتقداته من بيئته تؤثّر فيه ويتأثر بها، وعلى الرغم من أن تعاليم الإسلام وجميع الأنظمة والقوانين تجرِّم العنف ضد الأطفال أو إلحاق الأذى بهم جسدياً ونفسياً، إلا أنه قد يظهر بعض الحالات التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي من تصرفات سيئة تجاه الأطفال بقصد أو غير قصد، مما يستوجب الحد والتصدي لها.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والطبية والنفسية حول تلك المشكلة؛ فماذا قالوا؟
الإسلام دين رحمة
بداية يقول الدكتور ماهر بن عبدالغني الحربي أستاذ الفقه والقضاء بكلية الحقوق بجامعة طيبة: الأطفال رياحين عطرة، وغصون نضرة، يملؤون البيوت بهجة وسروراً، وأُنساً ونعيماً، إذ هم نعمة إلهية، وعطية ربانية، والناس متفاوتون في معرفة قدر هذه النعمة، والقيام بحقها وشكرها، ولا غضاضة في ذلك شأنها شأن الكثير من النعم، فلا يُقدرها ويعرف حقها إلا من حرم منها، ويتجاهلها من رزقها أو كان منها في كفاف.
ومن أسمى صور شكر نعمة الأطفال، القيام بواجب تربيتهم التربية الصالحة المستقيمة، وتنشئتهم التنشئة السوية، والحرص على رعايتهم والسعي في مصالحهم، وقد حث الإسلام في سبيل رعاية الأطفال وتربيتهم باستعمال الرفق في ذلك وعدم استعمال وسائل التعذيب أو ممارسة العنف في التربية؛ إذ الإسلام دين الرحمة، والرفق، وقد أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه»، وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف، أو الفحش»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «علّموا ولا تعنّفوا فإن المعلم خير من المعنّف»، ومن مقتضى ذلك أن تكون تربية الأطفال بالرفق والأناة والحلم، لأن الرفق يحصل به المقصود وتتأتى به الأغراض، بخلاف العنف الذي يزرع النفرة في قلوب الأطفال، والبغض لوالديهم ومعلميهم، وقد يؤدي العنف إلى أضرار جسيمة وإصابات وعاهات جسدية، أو اضطرابات نفسية، ولا يعني الرفق التساهل والتفريط في تربية الأطفال، بل يعني عدم الغضب والتهور والتعنيف في التربية والتوجيه للأطفال.
ومن تأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفتش في مواقفه وتعامله مع الأطفال، فإنه يقف مندهشاً أمام آيات الرحمة والعطف والرأفة التي أوتيها فقد كان يداعب الأطفال ويمازحهم ويلاعبهم ويتحمل ما يصدر منهم، فجئ مرة بغلام صغير فحمله فبال على ثوبه، وذات يوم كان يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله ورسوله: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما، ثم أكمل صلى الله عليه وسلم خطبته.
وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب طفلاً أو يعنف صبياً، وبذلك يتبين أن الإسلام يرفض العنف ضد الأطفال بأي شكل من الأشكال وأي نوع من الأنواع سواء كان عنفاً في صورة الإيذاء البدني وهو جنين في بطن أمه باستخدام الأم للمخدرات أو المسكرات أو أي شيء يضر بالجنين أو الإيذاء بالضرب المبرح باليد أو الآلات الحادة أو الخطرة، أو الإيذاء النفسي وذلك بالشتم أو الاستهزاء أو السب والتجريح بألفاظ بذيئة أو الإيذاء بعدم الاهتمام به وذلك بعدم الإنفاق عليه أو عدم الاعتناء بتربيته وتعليمه أو إهمال علاجه.
ظاهرة عالمية
ويؤكد الدكتور عبدالله بن صالح الحمود أستاذ علم الاجتماع أن العنف والإساءة ضد الأطفال تُعد ظاهرة عالمية متفشية بين العديد من الطبقات الاجتماعية، ولا يمكن القول أن هناك دولة دون أخرى لا تشهد حالات عنف أو إساءة تجاه الأطفال، وإذا ما تحدثنا عن مفردة (طفل) فنحن نتحدث عن منهم دون سن الثامنة عشر، فمراحل الطفولة والصبا والمراهقة، تعد احد الفئات العمرية للطفولة، بحكم أن في تلك الفترة العمرية يكون الفرد غير قادر لحماية نفسه من الاعتداء سواء من داخل أسرته أو من خارجها، وتكمن المشكلة الأخطر حين يكون الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، هنا نتوقف ونقول إن الأمر يشتد تعقيداً، وإن من النتائج الوخيمة التي تنتج جراء العنف والإساءة ضد الأطفال تمس صحتهم جسدياً ونفسياً وبقاءهم ونماءهم الطبيعي، فضلاً عن تأثير ذلك على الأسرة والمجتمع، وإذا ما تحدثنا عن آثار الإساءة الجسدية، فإنه ينتج عن واقعة العنف والإساءة الجسدية آلام ومعاناة مباشرة للطفل منها الهزال والصداع بالرأس، فضلاً عن الآثار النفسية التي قد تمتد مع الطفل حتى البلوغ وربما إلى المرحلة الشبابية، وهناك مؤشرات نفسية وسلوكية تنشأ بسبب الإساءة النفسية للطفل منها: تراجع المستوى الدراسي، كره المعلم، الخجل، وكثرة النوم، والتوتر، والقلق، والخوف، والعزلة، وعدم القدرة على تشكيل علاقات حميمة.
ويختم د. الحمود حديثه قائلاً: إن كل إساءة تنشأ تجاه الطفل لها من الآثار الاجتماعية غير الحميدة، منها على سبيل المثال لا الحصر (الانطواء - ضعف الشخصية - ضعف التحصيل الدراسي - انخفاض الوعي)، مشدداً في هذا المقام على الأبوين وحاضني الأطفال أن يراعوا مسؤولياتهم تجاه رعاية الطفولة، فالنشء إذا لم يكونوا في أيدي أمينة وصبورة وتتماها مع فكر وعقلية الأطفال لن ينشأ في المجتمع أسر واعية وناضجة وذات عطاء يسهم في بناء المجتمعات.
أشكال الإساءات
ويشير د. ساري دعاس استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بمستشفيات الحمادي بالرياض: أن يتعرض الطفل للمرض والإصابة فهذا أمر معتاد ومتوقع رغم كل ما يسببه للوالدين من حزن وانزعاج، ولكن أن يقوم أحد ما من المقربين للطفل بأحداث تلك الإصابة فهو أمر مشين وقد لا يصدق خاصة إذا كانت الإصابة شديدة وعمر الطفل صغير، ورغم كل ذلك فهذه الأمور تحدث وبمعدل مرتفع أحياناً، والإساءة للطفل موضوع قديم ولكن بدأ ينظر إليه باعتباره مشكلة طبية منذ خمسينات القرن المنصرم، وتوجد عدة أنواع لاضطهاد الطفل تصل شدتها إلى درجة الترحم على الطفل، ومن هذه الأنواع الاضطهاد الجسدي: ويتضمن إيذاء جسد الطفل كالخدوش والجروح وقد تصل إلى الأورام الدموية داخل الدماغ التي قد تكون مميتة.
دور المؤسسات والإعلام
ويطرح د. عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بمستشفيات الحمادي بالرياض أسس العقاب الصحيح في التربية السليمة، والتي لاتصل لحد إيذاء الطفل، فيقول: إن مبادئ التربية السليمة تتبع أساليب الثواب والعقاب من خلال الترغيب والترهيب والثواب بالمكافآت والثناء والمدح، أما إذا أخطأ الطفل وتكرر هذا الخطأ، فالعقاب لا يجب أن يتجاوز حجم الخطأ، ويكون بحرمان الطفل المؤقت من أشياء يحبها، أو توجيه نظرة حادة أو الامتناع عن التحدث معه لبعض الوقت، ولا يتم اللجوء للضرب إلا كحل أخير، ولهذا شروط لا يجب تجاوزها، فلابد أن يكون الطفل مميزاً للصواب والخطأ، ومصراً على الخطأ، ولا يكون ضرباً مؤذياً أو في الأماكن المؤذية كالبطن والصدر والوجه.
ويقترح استشاري الأمراض النفسية والعصبية تفعيل دور المؤسسات الحكومية والأهلية والإعلام والعلماء والأطباء والمعلمين والمعلمات في التعريف بمخاطر العنف ضد الأطفال، وتوجيه الآباء لأساليب التربية الصحيحة، من خلال برامج توعوية، بالاستعانة بالمختصين في مجالات التربية وطب الأطفال والطب النفسي، لحماية المستقبل الذي يشكل الأطفال دعامته الرئيسية.