حمّاد بن حامد السالمي
بعد أن وقفنا على قصيدة (الإمام ابن حزم- ت 456هـ) في الرد على امبراطور الروم (نقفور فوقاس- قتل 359هـ)، وتفنيد قصيدته العربية المشينة في السخرية من المسلمين وتهديدهم)، وجاء رد (الإمام ابن حزم) بعد عدة عقود من عهد (نقفور)، حيث لم يكن من معاصريه؛ نصل اليوم إلى شاعر مقاتل كان في جند المسلمين الذين يحاربون في الثغور زمن (نقفور).. عالم من أكبر علماء الشافعية، ألا وهو (القفَّال الشاشي الخراساني- القفال الكبير291هـ - 365هـ)، وهو ناشرُ فقه الشافعية في بلاد ما وراء النهر، الذي لم يمنعه علمه وفضله أن يلتحق بالجيش جنديًّا، يوم كان علماء الدين يعرفون حمل السلاح وركوب الخيل، ويجيدون القتال، فكان من معاصري الطاغية (نقفور)، مقاتلًا يجيب عن سهم بسهم، وضربة سيف بضربة سيف، فحملته غيرته الدينية؛ أن يجيب عن هذه القصيدة بقصيدة من نفس البحر والقافية، في 74 بيتًا، فها هو في الأبيات من 1 إلى 16؛ ينفي عن ملك الروم الطُّهْر، فهو مسيحي مشرك، يقول بالتثليث، غادر، فاجر، ظالم. يقول:
أتاني مقالٌ لامرئٍ غيرِ عالمٍ
بِطُرْقِ مجاري القول عند التخاصمِ
تخرّص ألقابًا له جد كاذب
وعدّد آثارًا له جد واهم
وأفرط إرعادًا بما لا يطيقه
وأدلى ببرهان له غير لازم
تسمى بطهر وهو أنجس مشرك
مدنسة أثوابه بالمداسم
وقال: مسيحيٌّ وليس كَذَاكُمُ
أخو قسوة لا يحتذي فعلَ راحمِ
وليس مسيحيًا جهولًا مثلِّثًا
يقول لعيسى جل عن وصف آدم
وما المَلكُ الطهْرُ المسيحيُّ غادرًا
ولا فاجرًا رَكَّانة للمظالمِ
تثبَّتْ- هداك الله- إن كنت طالبًا
لحقٍّ، فليس الخبطُ فعلَ المُقاسمِ
ولا تتكبَّر بالذي أنت لم تَنَلْ
كلابس ثوبِ الزور وسط المقاومِ
تعدد أيامًا أتت لوقوعها
سنون مضت من دهرنا المتقادم
سبقت بها دهرًا وأنت تعدها
لنفسك لا ترضى بشرك المساهم
وما قدْرُ أرتاحٍ ودارًا فيذكرا
فخارًا إذا عدّت مساعي القُماقم
وما الفخرُ في ركضٍ على أهل غرةٍ
وهل ذاك إلا مِن مخافة هازمِ
وهل نلتَ إلا صُقعَ طرسوسَ بعد أنْ
تسلَّمتَها مِن أهلها كالمُسالمِ
ومصِّيضةٍ بالغدر قتّلت أهلها
وذلك في الأديان إحدى العظائم
ثم يفخر الشاعر بفعل المسلمين مِن قبلُ فيقول:
ترى نحن لم نوقع بكُمْ وبلادِكمْ
وقائع يُثنى ذكرها في المواسمِ؟
مئين ثلاثًا مِن سنين تتابعتْ
نَدُوسُ الذرَى مِن هامِكم بالمناسمِ
أتذكر هذا أم فؤادك هائم
فليس بناسٍ كلَّ ذا غير هائمٍ
ومن شر يوم للفتى هيمانه
فيا هائمًا.. بل نائمًا شر نائم
ولو كان حقًا كل ما قلت لم يكن
علينا لكم فضل وفخر مكارم
فمنكم أخذنا كل ما قد أخذتمُ
وأضعاف أضعاف له بالصماصم
طردناكم قهرًا إلى أرض رومِكُم
فطِرْتُمْ من السامات طرد النعائمِ
ويصل هنا إلى الرد على نقفور، والردّ عليه في أسره وسَبيه، وبيَّن الفرقَ بين معاملة المسلمين للأسارى والسبايا، ومعاملة الروم لهم فيقول:
لجأتم إليها كالقنافذ جثّمًا
أدلاهُمُ عن حتفه كل حاطم
ولولا وصايا للنبي محمد
بكم لم تنالوا أمن تلك المجاثم
فأنتم على خسرٍ وإن عاد برهة
إليكم حواشيها لغفلة قائم
ونحن على فضل بما في أكفنا
وفخر عليكم بالأصول الجسائم
ونرجو وشيكًا أن يسهل ربنا
لرد خوافي الريش تحت القوادم
وعظَّمت مِن أمرِ النساءِ وعندنا
لكم ألفُ ألفٍ من إماءٍ وخادمِ
ولكن كُرْمنا إذ ظفرْنا وأنتمُ
ظفرتم فكنتم قدوةً للألائمِ
وموعدنا الأسبوع القادم لاستعراض بقية أبيات القصيدة الدامغة، مع التذكير بالأجزاء الخمسة الفارطة لهذا المقال:
(https://www.al-jazirah.com/2023/20230115/ar2.htm )
(https://www.al-jazirah.com/2023/20230122/ar2.htm )
(https://www.al-jazirah.com/2023/20230129/ar2.htm )
https://www.al-jazirah.com/2023/20230205/ar2.htm) ( (https://www.al-jazirah.com/2023/20230212/ar2.htm)