صبحي شبانة
تقاس مكانة الدول في العصر الحديث بارتفاع معدلات التنمية، وبتقدمها في مختلف المجالات، لكن في تقديري يظل العنصر البشري من وجهة نظري هو المعيار الحقيقي للتقدم، وبرغم ما شهدته المملكة من ارتفاع في معدلات التنمية فاق المعدلات العالمية كافة، الشواهد لا تحتاج إلى أدلة أو براهين، فأي قرية نائية في المملكة لا تقل في خدماتها، وبنيتها التحتية، وجودة الحياة فيها عن أرقى أحياء لندن أو باريس، كل هذا بفضل الاستثمار في الإنسان السعودي، الذي استطاع أن يصنع المعجزات، أن يحول الصحراء إلى مدن لا تضاهيها مدن العالم في تطورها، وفي ذكائها، مدن تم تحديثها وتصميمها للقرن الثاني والعشرين. قدرات العنصر البشري في المملكة تفوق الخيال والتصور، روح شابة تسري في أوصال المملكة بفضل الأمير الشاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الذي استنهض طاقات شعبه، واستلهم وحي مجد تليد مضى عليه ثلاثة قرون، حينما أسس الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الدولة السعودية الأولى وسط عالم متشرذم، وقبلية بغيضة مسيطرة، ربما كان منسياً لدى الكثيرين، لكنه بالتأكيد ظل حاضرًا في عقل أمير العرب وقائدها لعقود طويلة قادمة.
إن يوم التأسيس، لمن يعرف، ولمن لا يعرف، ليس مجرد يوم عابر في تاريخ المملكة، فهو يوم يمتد أثره وتأثيره عبر ثلاثة قرون على الأجيال المتعاقبة حول العالم، الجميع أقصد الجميع (لا استثني أحداً) طاله خير هذا اليوم الخالد الذي أدعو وأتمنى أن يكون يوماًَ للإنسانية، يوماً يؤرّخ فيه للعالم الجديد، الإنسانية تحتاج إلى تاريخ جديد، يضاف إلى الميلادي والهجري اللذين لهما صبغة دينية، لماذا لا يكون لدينا تاريخ إنساني جديد؟ تاريخ يحمل الصبغة الإنسانية، تسمو فيه القيم والمشتركات الإنسانية، واحترام التنوع والاختلاف، وتفهم الآخر، وتسود فيه ثقافة التسامح والرقي الإنساني.
عالم اليوم يحتاج إلى فكر ملهم ينطلق من هذه الأرض الخلاقة التي يحمل أهلها الخير للجميع، ويبشر قادتها بالسلام والرخاء الذي يعم الجميع، فلا فرق لديهم بين جنس وآخر، فهم يؤمنون بأن أنسنة المستقبل يجب أن تكون لها الأولوية القصوى والملحة التي تسبق كل أولوية، لأن عالم اليوم الشغوف بالروبوتات المستحدثة والتقنيات المتسارعة يعيش الجمود والجحود الذي سوف يتصادم يوماً ما مع الطبيعة التي جبل عليها الجنس البشري، وهو ما سوف يؤدي حتماً إلى مآلات سوف تهدِّد المصير الإنساني.
في تاريخ الدول أيام خالدة تظل محفورة في جدار التاريخ، يستلهم معناها ويلتقط وحيها فقط قليل من الزعماء الذين يمتلكون بصيرة عابرة للزمن، وحدهم لديهم القدرة على صناعة التاريخ، واستحضار تلك الأيام المضيئة المخفية، لتدشين حقبة تاريخية جديدة ممتدة ترتكز على قوى من الدفع النفاثة، تبثها روح شابة تدرك إيحاءات التاريخ الذي صنعه الأجداد، وتدرك أهمية الجغرافيا التي تضخ كوامنها في شرايين شعب يجيد بناء المستقبل، ويتوق إلى إعادة تأسيس المجد لأمة بكاملها انطلاقاً من فكر جديد، ووعي لا يتجاهل موروثات الماضي القريب والبعيد، هنا على أرض المملكة قائد ملهم يتجاوز بفكره حدود الزمان والمكان، وشعب يعيد باقتدار صياغة وصناعة التاريخ مجدداً، لا عجب ولا غرابة! فلقد فعلها من قبل مرات ومرات.
كل هذا الزخم الذي تعيشه المملكة في كل أرجائها، وهذه الروح الوثابة التي تنطلق بالشعب العربي السعودي نحو المستقبل، وكل هذا الحراك المجتمعي الذي طال كل المجالات يعود الفضل فيه إلى حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وحيوية ورؤية المملكة 2030 التي هندسها وأطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يمتلك فكراً ثاقباً وإرادة فولاذية اختبرت في مواقف عديدة، فقط واحدة منها كانت تكفي للإطاحة بدول، إلا أنه واجه بصلابة وصلادة، فلم يلتفت للحظة إلى الخلف، ولم يرمش له جفن، فقد آمن منذ الصغر أن المواقف الكبرى لا يتصدى لها إلا الكبار، وأن المستقبل لا يصنعه إلا الأفذاذ، وأن التحولات الكبرى لا يقودها إلا العظماء. المملكة تعيش أزهى عصورها في ظل قيادة جامعة للحكمة والرؤية لذا استحقت بجدارة أن تقود عالم اليوم وأن يكون يوم التأسيس هو بداية تاريخ جديد للإنسانية يرسم لها خارطة طريق، ويعيد إليها فطرتها وبشريتها.