د.حسن مشهور
يمثِّل يوم التأسيس لكل مواطن سعودي ذكرى تاريخية مجيدة، ومرجعية تأصيلية لوجودنا السعودي الراهن في عهدنا السعودي الزاهر، المتمثل الآن في المملكة العربية السعودية التي تحوي أعظم المقدسات الإسلامية التي تشرئب إليها أعناق العالمين العربي والإسلامي، وتعمل بمنطلقات دينية وإنسانية وحضارية، مع سعيها الجاد، في ذات الوقت، لأن تكون إحدى واجهات العوالم الحضارية، وأن تقود العالمين العربي والإسلامي، مع المحافظة في ذات الوقت على الإرث السعودي العظيم والتقاليد السعودية الراسخة، التي نفخر بها ونفاخر بها شعوب العالم قاطبة، وأن نتمسك في ذات الوقت بهويتنا السعودية الراسخة التي تتمظهر في حبنا وتأييدنا واصطفافنا خلف قيادتنا السعودية المباركة في كافة قراراتها ومنطلقاتها الوطنية، ممثلةً في مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله -، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله.
إن يوم التأسيس قد كان هو الحدث التاريخي الأسمى في مسيرة وطننا السعودي الكريم، والذي ترسخ في متتالية التاريخ بقيام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتأسيس مملكتنا السعودية الراهنة على نفس خطى جده المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود، وعلى نفس الفضائل من المحافظة على الدين والعدل والفضل والتقى، واعتبار الإسلام دستور الدولة، وهو حدث جليل قد وصفه الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي مخاطبًا الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالقول:
إمام الهدى لا زالت للدين موئلا
يعز بك الإسلام والعرب والحمى
فسر في طريق الرشد تجن ثماره
قريباً فقدما فاز من قد تقدما
وإنك في أرض الجزيرة مالك
من الأمر ما أولاك ربك منعما
أقمتم صروح العدل والفضل والتقى
وأعليتم بنيان شرع تهدما
إن يوم التأسيس يمثِّل لنا كمواطنين سعوديين، ذلك الحدث الأسمى الكريم الذي جرت أحداثه في العام 1139هجرية، الموافق 1727م، وتمثّل في تولي الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الحكم في الدرعية، وشهد الأمر حينها العديد من الإنجازات التاريخية التي تمثَّلت في تأسيس دولة سعودية تقوم على شرع الله عزَّ وجلَّ، وتعمل على نشر الدين الإسلامي القويم، وتكرِّس جهدها لضمان استتباب الأمن في الجزيرة العربية وتأمين طرق الحج والتجارة لمواطني دول الجوار العربي.
إلى جانب إنجازات أخرى داخلية كانت عظيمة حينها في ظروف تلك المرحلة، ولا تزال ذكراها تتداعى إلى ذهن كل سعودي محب لوطنه مفتخرًا بمنجزه عبر الامتداد التاريخي لهذه الدولة المباركة، ومن ذلك توحيد شطري الدرعية وجعلها تحت حكم واحد بعد أن كان الحكم متفرِّقاً في مركزين، والاهتمام بالشؤون الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية وتعزيز وحدته الداخلية، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية والمنجز الأهم والأسمى للدولة والذي تمثَّل في نشر الاستقرار في أرجاء وربوع الوطن، إلى جانب تنظيم الأمور الاقتصادية للدولة، وتبني الاستقلال السياسي واعتباره حتمية لا خياراً وتمثَّل ذلك في عدم الولاء لأي قوة أو زعامة سواء أكانت إقليمية أو خارجية.
إن ذلك المجد الوطني الذي مثَّلته مرحلة التأسيس الأولى التي كان عرَّابها الإمام محمد بن سعود -رحمة الله عليه -، والتي بذل في سبيل تحققها جهداً مضنياً وعملاً دائماً وكفاحاً مستمراً، يعد أساساً لمجدنا السعودي الراهن الزاهر الذي وضع لبناته الأولى الإمام والملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه -، الذي بذل الجهد العظيم والعمل الدؤوب والكفاح المستمر في سبيل بناء مجد وطنيٍ لنا وإقامة صرح سعودي زاهر به نفخر ونفاخر. وهو جهد عظيم وعمل متصلٍ بلا كللٍ ولامللٍ قد وصفه الملك عبدالعزيز موضحاً حجم التضحيات التي يبذلها، في قصيدةٍ مجيدة قال فيها مخاطبًا رفيق دربه في ملحمة التوحيد الأمير محمد بن عبدالرحمن -رحمة الله عليه-، مذكرًا نفسه وأخيه وجنده، بأن طريق المجد وإقامة صرح دولةٍ عظيمةٍ وتسطير اسمها في التاريخ بأحرفٍ من نور، هي مهمة وطنية سامية لا يبالي فيها الإنسان بالروح ولا بالدنيا ونعيمها من مالٍ وولد، فهي مهمة عظماء التاريخ وقادته البارزين، حيث يقول طيب الله ثراه:
هجننا داجن على نجد وحمنه
والقطين نصبحه قبل الصلاتي
كن سعيرات راسي شيبنه
كل يوم مقبلات ومقفياتي
الكرى عفته عيوني حاربنه
ساهرٍ بالليل عيني ما تباتي
من طعن بالسيف جهده ما يكنه
وكان ذبن رديناهن للرماتي
قال محمد سبلوا وأرخوا الأعنه
واحتموا دون الركايب يا شفاتي
ما حلا ذب القفوش خلافهنه
بأمهات أصبع ودقس مطمساتي
إن ذبحنا الموت للصبيان سنه
وأن سلمنا سالمين من الشماتي
والآن ونحن نعيش هذا العهد السعودي الزاهر عقب ثلاثة قرون من المجد والسؤدد، كانت ولا تزال هي ديدننا الدائم، تأتي عملية الاحتفال بهذا اليوم الغالي على قلب كل سعودي، لتمثّل انعكاسًا لاعتزازنا كسعوديين بالجذور الراسخة لمملكتنا السعودية المباركة، ولارتباطنا الوثيق كمواطنين سعوديين بملوكنا الميامين، منذ عهد الإمام محمد بن سعود أي منذ ثلاثة قرون، وصولاً لعهدنا السعودي الزاهر الذي تمثّله حكومة سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله.