د. أحمد بن محمد السالم
الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- معروف بشغفه بعلوم التاريخ والتراث والثقافة، وتعمقه في تاريخ الجزيرة العربية، وإلمامه الكامل بترابها وقاطنيها من بدو وحضر.
فلا غرابة إذًا من صدور أمره الكريم بالاحتفاء بيوم التأسيس، اليوم الذي قامت فيه الدولة السعودية الأولى بتاريخ 22-2-1727م، على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله - الذي اتخذ من الدرعية موطن آبائه وأجداده، عاصمة لها، فأعاد -حفظه الله- للذاكرة مجدنا التليد وتراثنا العتيق، فأوقد في أنفسنا روح الفخر والاعتزاز، وجدد فينا روابط الولاء والانتماء، وكشف لنا عن ثلاثة قرون من الألفة والتلاحم ما بين الراعي والرعية، بل إن الترابط والتقارب ما بين المجتمع السعودي وهذه الأسرة الكريمة (آل سعود) قديم العهد، ويعود إلى عام 1446م، عندما تولى مانع بن ربيعة المريدي -الجد الثاني عشر للمك عبدالعزيز إمارة الدرعية- حيث قدم هو وأسرته من شرق الجزيرة العربية، بناءً على دعوة من ابن عمه (درع) صاحب حِجر والجزعة، والذي نسب إليه مسمى الدرعية، كما سمي الوادي في الدرعية باسم وادي حنيفة، وبنو حنيفة هي القبيلة التي ينتمي إليها آل سعود، والذين أسسوا دولتهم الأولى ما قبل الإسلام في وادي حنيفة، وتعاقب على إمارة الدرعية أبناء وأحفاد مانع بن ربيعة، ولقد قامت دولتهم الأولى على العدل ما بين الناس، ونصرة المظلوم، وتأليف القلوب، ولملمة الجروح والآلام، وبسط الأمن والسلام، وتطهير البلاد من البدع والخرافات وإرساء مبادئ الإسلام الصحيحة، ونشر العلم والمعرفة، وفتح مصادر الرزق والارتزاق، وأداروا شؤون البلاد والعباد بقواعد تشريعية ونظم مالية وإدارية، فازدهرت الدرعية وأصبحت موضع جذب اقتصادي واجتماعي ومحط أنظار المؤرّخين والمهتمين بالتراث، فضلاً عن كونها واحة خضراء، غنية بخصوبة أرضها وعذوبة مياهها وتعدد أنواع الخضار والفواكه فيها، وبات الفرد في محيط حكم آل سعود آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فاستبشر أهل البادية والحاضرة بحكم آل سعود، وناصروا الإمام محمد بن سعود، وتوسعت الإمارة، وامتد نفوذها في عهد ابنه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود؛ لتشمل البلدات المجاورة كالرياض والعمارية والعيينة وحريملاء والقصب والقويعية وشقراء، وأكثر من ذلك تجاوز نفوذ الدولة السعودية الأولى منطقة نجد إلى الإحساء والبريمي، ومنطقة الحجاز، وغيرها من مناطق المملكة، ولم يلبث أن امتد نفوذها إلى خارج المملكة، إلى كربلاء بالعراق، وأجزاء من الشام واليمن والخليج العربي.
لقد كان أئمة الدولة السعودية يحملون في يد راية التوحيد (لاإله إلا الله محمد رسول الله)، وفي اليد الأخرى ميزان الحق والعدل، مما أكسبهم الشرعية والمحبة والولاء والقبول ونجاح الحملات والغزوات.
فالأسرة الكريمة نبعت من رحم هذه التربة الطيبة على نقاء فطرتها وصفاء سجيتها، وباتت الوحدة الوطنية صخرة قوية، تتحطم عليها قوى الشر والفساد، وينهزم فيها دعاة الفرقة والشقاق.
ومما يؤكد على متانة وقوة حكم آل سعود في الجزيرة العربية، هي قدرته على الصمود والاستمرارية بغض النظر عن ما واجهه من تهديدات خارجية أو داخلية، وينطبق على آل سعود قول الشاعر:
إذا ماتَ فينا سيدٌ قامَ سيدٌ
قؤولٌ لما قالَ الكرامُ فعولُ
وسيدنا في عصرنا الزاهر هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث تعانق الدرعية -العاصمة الأولى في عهده الميمون بتراثها المعماري وحضارتها العريقة وتنوعها الثقافي-عنان السماء، فلقد أعاد مليكنا إلى الدرعية مجدها وازدهارها وعزها، ولولا توفيق الله - ثم الملك سلمان عاشق التاريخ والعمارة والعلم والفكر- لاندثر تاريخ الآباء والأجداد، حيث يرجع اهتمامه بالدرعية وأهاليها إبان توليه إمارة منطقة الرياض لأكثر من نصف قرن وترؤسه لهيئة تطوير مدينة الرياض.
وكان من برامج الهيئة برنامج تطوير الدرعية والمتضمن التأهيل البيئي لوادي حنيفة وصيانة معالمها وأحيائها التراثية والحفاظ على فنها المعماري، فأعلنت منظمة الأمم المتحدة في عام 2010م للعلوم والتربية والثقافة عن حي طريف كموقع تراث عالمي.
وعند اعتلاء خادم الحرمين الملك سلمان سدة الحكم في عام 2015م، أخذت الدرعية نصيبًا وافرًا من حرصه واهتمامه، فأصدر أمره الكريم في عام 2017م بإنشاء هيئة تطوير بوابة الدرعية، وتعيين الشاب المتوقد والملهم سيدي صاحب السمو الملكي ولي عهده ورئيس مجلس الوزراء رئيسًا لمجلس إدارتها، وتخصيص أكثر من (64) مليارًا ريال سعودي، لصيانة تراث وآثار الدرعية وتحويلها إلى واجهة ثقافية وسياحية وحضارية عالمية، تكون -بإذن الله - مصدر جذب لـ(27) مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030م. وبالنظر للحركة الثقافية التي تشهدها الدرعية -اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الدرعية عاصمة للثقافة العربية لعام 2030م.
وأصالة عن نفسي ونيابة عن أهالي الدرعية نتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي عهده الأمين على جعل يوم التأسيس يوم إجازة رسمية، نحيي فيه ذكرى تاريخ عظيم لشعب عريق في درعية العز والوفاء، نتذكر فيه بطولات وتضحيات الآباء والأجداد في بناء كيان راسخ، نستظل اليوم بظله، ونعيش في كنفه، في ظل قيادة رشيدة من أسرة كريمة، أثبت التاريخ على مر القرون والعقود أنها مصدر خير وعطاء، وصمام أمان لهذا الوطن وأهله.
أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان والرخاء والازدهار وحفظ الله حماة هذا الوطن والدنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين من شر الأشرار وكيد الحاقدين، وبارك في عمره، وأدامه تاج عز على رؤوسنا ورمز فخر واعتزاز لأبناء الوطن.
** **
- نائب وزير الداخلية سابقاً