أ.د.محمد بن حسن الزير
إن المواطن السعودي الذي يعيش في كنف بلد عظيم مثل المملكة العربية السعودية؛ عظيم بإنسانه قيادة وشعباً، وعظيم بمنهجه في العقيدة والفكر والتشريع، وعظيم بمكانته الإسلامية السياسية والاقتصادية، وعظيم بموقعه الإستراتيجي بين قارات العالم، عظيم في إمداده للعالم بالطاقة، ويعيش في بلد يمثل ما يشبه القارة؛ في اتساعه في المكان وتعدده في الأقاليم والإنسان، وتنوعه في التضاريس والأجواء، وهو يجد نفسه يعيش واقعاً آمناً مطمئناً يحفه الأمن والأمان، ويحوطه الهدوء والاستقرار والاطمئنان، وتدور عجلة الحياة فيه بوتيرة متنامية في التقدم والتطور نحو الأفضل في الصحة والتعليم وأوجه الحياة الأخرى باستمرار، ويتقدم خطوات حثيثة في مجالات التفوق في الإبداع والابتكار، ويسعى جاهداً في تحقيق المستقبل الأفضل المنشود في ظل رؤية واقعية متطلعة، ذات منهج سديد، وخطط واعية وبرامج متعددة متنوعة، وذات همة وعزم وقوة حالمة بالوصول بالوطن وإنسانه، واقتصاده، إلى القمة الأعلى والأرقى، وتحقيق جودة الحياة في شتى الميادين والمجالات.
إن هذا المواطن، وهو يجد نفسه يعيش هذه الحالة السعيدة، التي يغبطه عليها أخوه الإنسان في أي مكان، من غير مواطني هذا الكيان العظيم، ليجدر به أن يتذكر هذه النعم، وأن َيعيَها فيشكر الله عليها، ويسأله المزيد منها، ويسعى جاهداً في صيانتها والحفاظ عليها، شعوراً وقولاً وعملاً؛ ولا شك في أهمية التذكر لدى المواطن لتعميق إحساسه الذاتي الوجداني بأهمية الوطن وتاريخه بما ينعكس بالضرورة صيانة لأمنه واستقراره ورخائه، وتقديراً لفضائله وامتناناً لمنجزاته.
وفي هذا السياق تمر بنا هذه الأيام ذكرى غالية عظيمة علينا جميعاً نحن مواطني المملكة العربية السعودية؛ ألا وهي ذكرى يوم من أيام نِعَمِ الله علينا جميعاً، ذكرى نعمة عظيمة علينا أن نذكرها وأن نعيَها شكراً لله، واعترافاً بفضله ومنّه، وعرفاناً لمن كان سبباً فيه وله؛ إنها ذكرى يوم التأسيس لهذه الدولة السعودية العتيدة، الذي كان على يد القائد الفذ الإمام المؤسس للدولة السعودية الأولى «محمد بن سعود» منذ منصف عام 1139هـ الموافق لليوم الثاني والعشرين من شهر فبرار عام 1727م، واستمرت - كما جاء في الأمر الملكي الكريم -: «إلى عام 1233هـ (1818م) وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأرست وحدة العقيدة وتحقيق الأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار». وحين غابت الدولة بسبب حملة العدوان عليها عام 1233هـ، تمكن بعون الله وتوفيقه الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود من إعادة الدولة السعودية سيرتها الأولى بعد أقل من سبع سنوات، ثم أعاد المؤسس الهمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن الإمام تركي بن عبد الله، تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1319هـ بعد عشر سنوات من الخلافات والضعف ثم الغياب المؤقت، أقوى ما تكون الدولة، وأشد ثباتاً ومنعةً وتطوراً، بحمد الله وعونه وتوفيقه ومنه.
وحين نتذكر المؤسس الأول، رحمه الله وأعلى منزلته في عليين، لابد أن نتذكر أبرز أعماله وأهم منجزاته ؛ ومنها:
-1 توحيد قيادة الدرعية تحت حكمه الذي استمر طيلة أربعين عاماً من العمل والعطاء والتأسيس من عام 1139هـ-1179هـ الموافق 1727-1765م.
-2 بناء حي الطربية بجوار حي غصيبة.
-3 الاستقلال السياسي وعدم التبعية لأي نفوذ محلي أو خارجي.
-4 تنظيم موارد الدولة، وتهيئة انطلاقها قوية منيعة.
-5 العناية بالأمور الداخلية للدرعية وتقوية مجتمعها وحدة وتوحيداً وتعليماً واقتصاداً، وتحقيقاً لأمنه ورخائه، وقد تحولت الدرعية من قرية صغيرة إلى مدينة حضرية مزدهرة بمدارس العلم فيها، وحركة التجارة في أسواقها، وكثرة الوافدين إليها لأغراضهم المختلفة.
ومن هنا تظل (الدرعية) جوهرة (المملكة العربية السعودية) ومنطلق حركتها في نشر العدل والإصلاح، واستتباب الأمن والاستقرار، في ظل الطمأنينة والرخاء.
-6 الاهتمام بالاستقرار الإقليمي.
-7 توحيد معظم منطقة نجد.
-8 دعوة البلاد للانضمام للدولة السعودية تحقيقاَ للم الشمل وتوحيد البلاد وجمع كلمة العباد.
-9 التصدي لعدد من الحملات العدائية ضد الدولة ودعوتها الإصلاحية.
-10 بناء سور الدرعية لتحصين الدرعية لصد الهجمات الخارجية.
11 - تأمين طرق الحج والتجارة.
ومن المهم لنا نحن المواطنين السعوديين، ونحن نستعيد ذكرى التأسيس، أن ننتبه إلى معنى هذه الجذور التأسيسية للدولة السعودية الراسخة في الأرض فكراَ وسلوكاَ، وأن نَعيَ ماضيَها ومآثرها، وثوابتها في العقيدة، وقيامَها على العدل والإصلاح، وهو ما مكَّنها ومكّن لها، بعون الله وتوفيقه، ثباتاً في الأرض وتواصلاً في الامتداد واستمراراً في الرسوخ، على الرغم من كل ما واجهته وتواجهه من مواقف الأعداء والمتربصين ومكرهم ومكائدهم الظاهرة والباطنة.
وحين نتذكر ذلك التأسيس الصالح المبني على نية صالحة ومنهج سديد، وما نشأ عنه من أعمال ومنجزات وقرارات، ندرك إلى أي مدى كانت تلك الأعمال والقرارات التاريخية الفاصلة للمؤسس الموفق وراء تأسيس الدولة السعودية العظمى التي حفظها الله ورعاها، في أدوارها الثلاثة، إلى اليوم حيث نتفيأ ظلالها أمناً ورخاءً واستقراراً وازدهاراً وتطوراً دائماً متواصلاً في مجالات الحياة المتعددة المتنوعة؛ بحمد الله ومنه ورعايته، وبالتالي ندرك كم هي نعمة كبرى تفضل الله بها على هذه البلاد وأهلها منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، وندرك مع ذلك حجم المسؤولية الملقاة علينا جميعاً من مواطني هذا الكيان المنيع العظيم، تُجاه صيانته وبذل كل غال ونفيس من فكر وجهد ووقت ووعي؛ من أجل خدمته وحفظه وتنميته وتطوره في مراقي التقدم والتفوق والإبداع في كل الميادين والمجالات.
حفظ الله بلادنا العزيزة، وحفظ الله لها حكومتها الرشيدة بقيادة ربان الحكمة والحزم، خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير، صاحب الهمة والعزم؛ محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وحفظ الله عليها دينها الذي هو عصمة أمرها، وأمنها واستقرها الذي هو دنياها ومعاشها.