طفلة النفيعي
للمرأة مكانة كبيرة في حياة الأمم والحضارات القديمة والحديثة, فهي عنصر أساسي لمختلف جوانب الحياة, وهي المساند للنصف الآخر «الرجل» بل لا طعم للحياة إلا بها, فهي روح الحياة, لكونها عضواً فعالاً في عملية التغيير والنهضة التي تحدث للمجتمعات منذ الأزل من حين خلق الله أبانا آدم وأمنا حواء عليهما السلام, فالرجل والمرأة هما النواة الأولى لتكوين الأسرة، نسمع دائماً أيها القارئ العزيز عبارة جميلة «المرأة نصف المجتمع» ومن وجهة نظري الشخصية إن المرأة هي المجتمع كله من ناحية التأثير, وليس التكوين, فالتكوين تشترك فيه مع نصفها الآخر؛ الرجل من حيث التناسل والتكاثر وهو الهدف السامي الذي خلقهما الله سبحانه وتعالى من أجله في المحافظة على إنجاب الأبناء ومن ثم الحفدة {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} (آل عمران-34).
ذلك لاستمرار النسل بالزواج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النحل-72).
وجاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن نبينا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام قوله «استوصوا بالنساء خيراً».
فلو تتبعنا أيها القارئ العزيز دور المرأة في الحضارات القديمة مروراً بصدر الإسلام وعبر التاريخ الإسلامي وعصر النهضة وما بعدها من عصور متلاحقة, نجد أن للمرأة دوراً عظيماً في بناء المجتمع والمشاركة في تقدمه وتطوره, فهي الأم مربية الأجيال والمدرسة الأولى التي يتعلم منها الطفل, وهي نبع الحنان والعاطفة الصادقة التي تحتويه بالحب حتى يشتد عوده ويستقيم, وهي الملكة، والوزيرة, وهي الطبيبة الماهرة، والعالمة الباحثة والشاعرة، والأديبة وهي امرأة أعمال ناجحة تتولى زمام تجارتها بمهارة واقتدار, والأمثلة على ذلك كثيرة, وما يهمنا أيها القارئ الكريم تحديداً في هذا المقال، دور المرأة في مرحلة التأسيس عام 1727م حيث يبرز لنا دور الأميرة موضي الوطبان زوجة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى من ناحية رجاحة العقل ومشاركتها في المشهد السياسي والبناء لتكوين دولة ناشئة تقوم على كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام, لذا أيها القارئ الكريم تُعد الأميرة موضي الوطبان زوجة الأمام محمد بن سعود داعماً ومسانداً، في تحقيق طموحه وفي كل ما من شأنه تثبيت أسس وأركان الدولة السعودية الأولى, ولا يمكن للتاريخ أن يغفل دور هذه المرأة الحكيمة والصالحة والمحبة لزوجها الحبيب والقائد المظفر لتأييده وبكل رباطة جأش في إرساء قواعد دولة فتية وشامخة مع بزوغ فجر جديد من الأمل وقوة التلاحم بين القائد ورعيته لقيام دولة التأسيس, وهي شارة الانطلاق نحو المجد العريق لكيانٍ شامخ وممتد، وعندما نُعرج على الدولة السعودية الثانية ومؤسسها الإمام تركي بن عبدالله عام 1824م وهنا يبرز لنا دور المرأة الكريمة ابنة الكرام الأميرة هويدية بنت غيدان آل زميكان والدها شيخ قومه آل شامر من العجمان كما ذكر ذلك في كتابه عبد الله بن بشر «المجد في تاريخ نجد», كانت هويدية ترعى أغنامها مثل بقية بنات البادية مساعدة لآبائهن والمشاركة بالعمل في بيئة البادية.
وعندما نأتي لمرحلة توحيد الدولة السعودية الثالثة، المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وفي بداية التوحد لقيام مملكة العز الدولة السعودية الثالثة وعندما كان الملك عبدالعزيز بالكويت عندما كان شاباً يافعاً يستعد لاسترداد ملك آبائه وأجداده يبرز دور الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في وقفتها البطولية وشجاعتها في مساندة أخيها عندما عقد العزم باتخاذ أول خطوة لتوحيد الكيان العظيم وذلك بفتح الرياض, وتميزت الأميرة نورة بشخصية على قدر عالٍ من الفطانة والطموح كأخيها، وقد اشتهرت بالشجاعة وقوة العزيمة والذكاء ورجاحة العقل وبُعد النظر، وكان الملك عبدالعزيز يثق فيها ويوكل إليها الإشراف على شؤون العائلة وإدارة القصر، كما كان يسند إليها استقبال زائرات المملكة الأجنبيات وبعض نساء الأسر الحاكمة في منطقة الجزيرة العربية.
ولأن الأميرة نورة أميرة متميزة حقاً فإنها تعلمت القراءة والكتابة في عصر كان من النادر فيه وجود المتعلمات من النساء، وكانت تحفظ للتعليم قدره وتدرك ما له من أهمية في تحسين حياة الإنسان وتطويرها، لذا كانت حريصة على تشجيع الفتيات على التعلم وحفظ القرآن الكريم، لأهمية العلم في تطور المجتمع والتقدم والنماء لذا كان التكريم المستحق لهذهِ المرأة والشخصية الاستثنائية في تاريخ الدولة السعودية الثالثة حين أُطلق اسمها على أكبر صرح علمي جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بمدينة الرياض عاصمة المجد ومسقط رأسها وتقديراً لدورها الكبير، رحم الله تلك الرموز رحمة واسعة وحفظ الله ولاة أمرنا «إخوان نورة» وكل عام وأنتم وبلادنا بخير وأمن وأمان وعز وتمكين.