د. خالد عبدالله الخميس
يصعب على مقالة صحفية في بضع صفحات محددة أن تحصر صفات ومدرسة الأمير محمد بن سلمان، لكن لعلنا نأتي بشكل مختصر للإشارة إلى بعض الإنجازات والخصائص الفريدة لمدرسة الأمير والتي تتمثل في النقاط التالية:
الأمير الملهم
يمكن وصف الأمير محمد بن سلمان بأشبه ما يكون مديراً تنفيذياً لدولة كبرى ويشرف على بناء أكبر مشروع نهضوي شرق أوسطي وذلك من خلال تنفيذ خطة إستراتيجية لنقل السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث رؤية المملكة 2030، ولم يكن الأمير عراباً لتلك الرؤية فحسب، بل كان ملهماً للطاقم البشري الذين شاركوا في تخطيطها وعملوا على تنفيذها.
وكل المؤشرات المعاصرة تؤكد أن أرض السعودية ستشهد ميلاداً جديداً وسيتحقق فيها حلم فريد عبّر عنه الأمير في فحوى أحد مقولاته «دعونا نحلم بكل ما هو بديع ونحقق حلمنا على أرض الواقع»، فالأمير لا يرى المستقبل بعين الحاضر ولا بتطلعات الناس بل يرى المستقبل بتصور يغاير مبادئ الواقع الحالي، ويخالف تطلعات الناس، إذ أن التطلعات التي تستمد من رأي الناس ستستند على واقع حاضرهم ولن يتعدى طموحهم سوى تطوير بسيط هنا أو تقدم بسيط هناك، ويشابه طموح الأمير محمد بن سلمان في سياسة التغيير الجذري ما عليه طموح المخترعين الذين غيّروا وجه الحياة الإنسانية وغيّروا معايير البشر حول أولويات احتياجاتهم، فهذا هنري فورد صاحب أول مصنع للسيارات كان يقول: إننا لو سألنا الناس قبل فتح مصنع فورد للسيارات عن أفضل مركوب لقالوا لك: عربة مريحة يجرها جواد سريع، لكني أنشأت مصنعاً للسيارة وشكلت توجهاً جديداً لدى الناس وغيرت من معايير البشرية حول أفضل مركوب، وبالمثل كان ستيف جوبز الذي كان لا يعتمد على رأي الناس في مميزات أفضل المنتجات، إذ كانت منتجات شركة أبل هي من تخلق قناعات الناس عن خصائص أفضل المنتجات، ففي كل مخترع يتم طرحه في السوق فإنه ما يلبث قليلاً إلا ويعيد تشكل قناعات الناس ويغير في توجهاتهم، مروراً بالماكنتوش وبالايا بود والايافون والاياباد، ولو عرض ستيف جوبز استفتاءً للناس حول احتياجاتهم ثم مشى مع آرائهم فخرجت تلك التقنيات والأجهزة البديعة، وهكذا قفزت تلك التقنيات إلى العصر الذي وصلنا له، الجدير بالذكر، أن ستيف جوبز لم يكن مخترعاً ولا مهندساً ولا مبرمجاً بل كان مديراً تنفيذياً يمثل الوقود الذي يشحن همة المهندسين والمبرمجين من حوله ويمثل المولد الذي يدفعهم لأن يبدعوا لإنتاج أفضل ما لديهم.
وكذا كان الأمير محمد بن سلمان يمثل الأيقونة والشخصية الملهمة للمدراء التنفيذيين وللمهندسين والمصممين لأن يبدعوا ويعمقوا إبداعاتهم لإنتاج أفضل ما يمكن إنتاجه من تصميمات عمرانية ومدن ترفيهية ومنتجات صناعية وتطبيقات خدمية وأجهزة تقنية.
ولقد وصف غير واحد ممن يعملون بالقرب من الأمير أن للأمير أسلوباً ساحراً وأخاذاً في دفع واستنهاض الهمم للإتيان بالأفكار البديعة والحلول الذكية، ولقد اعتاد الوزراء ومسؤولو الدولة أن يستلهموا فكرهم وأسلوب تعاملهم في حل المشكلات من خلال أيقونة مدرسة الأمير، فلم تعد وظيفة الوزير في عهد الأمير مجرد مراقب لسير مهام وزارته بالطرق النظامية فحسب وإنما هو أيضاً مساهم في تطوير الوزارة بالطرق الذكية وبالأسلوب البديع، كما صرح الأمير عن ذلك في إحدى مقابلاته.
وفي ظل مبادئ الإلهام التي غرسها الأمير في وجدان قيادات الدولة فإن مناهل الإبداع ستلقي بظلالها على من تحتهم من كبار وصغار موظفي الدولة، وهو أشبه بالتأثير المتتابع لتأثير حجر الدينمو.
إن تطلعات الأمير محمد بن سلمان أشبه ما تكون حالمة حيث عصر المدن الحديثة والرقمية ومنتجات أخرى نجهلها الآن ومؤكد أنها ستشكل ثورة جديدة في عالم التخطيط المدني وتغيير لمواصفات السكن الكلاسيكي وانقلاباً على معايير جودة الحياة وستفاجئنا تلك المنتجات وتغير آراءنا حول كثير مما اعتدنا عليه.
القضاء على الفساد
لا شك أن الفساد الإداري والمالي لأي دولة يعتبر من أكبر معوقات ومعرقلات الخطط الإصلاحية، وفي ذات الوقت فإن القضاء على الفساد يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه زعماء الدول.
ولقد كان من المتوقع أن يبدأ محمد بن سلمان أثناء حملته على الفساد بسياسة التدرج حيث البدء بالملفات البسيطة من الفساد ثم الانتقال للملفات الكبيرة وحيث البدء من أسفل الهرم والانتقال إلى أعلاه، لكن الأمير عندما بدأ حملته على القضاء على الفساد كانت حملته حملة جريئة وشجاعة، إذ أُعلن عنها على الملأ وعلى محطات القنوات الرسمية، وجاء في الإعلان ذكر لقائمة بأسماء كبيرة في رجال الدولة، وكان حزم الأمير محمد وشجاعته التي استمدها من حزم الملك سلمان هو ما دفعه لأن يبحث عن مصادر الفساد من قمة الهرم ومن منبع جذوره وكان هذا على مشهد وشاهدة من أبناء الوطن حتى إن كثيراً من المراقبين لم يراهن على نجاح هذا الأسلوب في القضاء على الفساد كونه سيصطدم بقوى عنيدة، لكن ما هي إلا أيام وأيام حتى استرجعت الدولة أموالاً طائلة لخزينتها، وتمت العملية بنجاح وبأسلوب حكيم، ولقد مرت سياسة القضاء على الفساد على مرحلتين؛ مرحلة التسوية كخطوة أولى ثم مرحلة المحاسبة الكاملة كخطوة ثانية، ولقد حققت سياسة الأمير نجاحاً مذهلاً تحدث عنه القاصي والداني، ولقد انتشرت خطة الأمير محمد بن سلمان وأسلوبه في كيفية القضاء على الفساد في الأوساط الإعلامية العالمية وأصبحت نهجاً يدرس. ولو لم يكن للأمير محمد بن سلمان إنجاز سوى إنجاز القضاء على الفساد لكفاه فخراً.
عرّاب الرؤية 2030
سعى الأمير لتحقيق أهداف نهضوية للبلاد كتبت في مشروع سمي برؤية المملكة 2030، ويتطلع الأمير في خطته لتحقيق أقصى درجات النهضة العمرانية والتعليمية والترفيهية والصناعية والخدمية والتقنية لبلاده ولشعبه، وتهدف هذه الخطة إلى تحسين جودة الحياة من جهة ومصدر لجلب إيرادات للدولة من جهة أخرى، لتبقى الدولة عزيزة وقوية بنفسها وسائرة في تنفيذ خططها التنموية بلا انقطاع وبلا تعثر مالي.
الأمر المثير هنا أن الأمير ألزم نفسه بمخطط زمني لتحقيق الرؤية وتحديداً في عام 2030, لأن كتابة المخطط الإصلاحي وتحديد تاريخ لإنجازه معناه أن تضع نفسك تحت ضغط المراقبة وتحت السؤال عن الوفاء بالوعد، ويمكن لأي قائد أن يمشي في خططه الإصلاحية دون أن يضعها في جدول زمني حتى لا يضع نفسه تحت رقابة المراقبين ويكون حراً في تنفيذ مخططه ويمشي في تنفيذها دون إسراع وبحسب ظروف الحال، إلا أن الأمير سار في منهاج غير ذلك عندما أرّخ لعصر الإنجاز وسار في المسار الإصلاحي عبر المخطط الزمني بكل عزم وثبات، وكانت الإنجازات التنموية تتماشى مع المخطط الزمني بل إنها تتسارع بأسرع مما هو مخطط له، داحضاً بذلك تشكيك البعض في إمكانية تحقيق التغيير في الزمن المحدد من عام 2030، وهكذا ما هي إلا سنوات قليلة من بدء مشروع الرؤية حتى ظهرت على السعودية بوارد التغيير والتقدم، وأشاد بذلك القاصي والداني في العالم.
انتقاء الطاقات البشرية
حرص الأمير على انتقاء القيادات المبدعة والمستشارين المناسبين والمدراء التنفيذيين البارعين من أبناء الوطن ومن خارجه، ولقد كشفت الرؤية عن وجود طاقات وطنية قيادية بارعة تضاهي في براعتها براعة القيادات العالمية، فلا تجد محفلاً أو مؤتمراً عالمياً إلا ويذهلك حديث الممثل السعودي وحجته الحاضرة وتسيده على مفاصل الحوار، وتلك البراعة ما كانت لتكون لولا أنها تستلهم روح حنكتها من الملهم الفذ الأمير محمد بن سلمان.
ولم يكتف الأمير بالاعتماد على الطاقات العقلية من داخل البلد بل امتد الأمر لاستقطاب العقول المتميزة من خارج البلد من مدراء تنفيذيين ومهندسين، وهذا الاستقطاب وفّر مناخاً جيداً لاحتكاك الطاقات الوطنية بالطاقات المستقطبة مما ضاعف من مهارة القيادات السعودية وأصقلت قدراتها حيث الخبرة العالمية من جهة وإلهام الأمير محمد بن سلمان من جهة أخرى.
سيادة القرار السياسي
ومما يعجبك أيضاً في الأمير محمد إصراره وشجاعته على الالتزام بالقرارات السيادية للدولة والنابعة من مبدئه الراسخ «أن مصلحة البلاد هي فوق الجميع» ويلزم من هذا منع تدخل أي دولة من فرض هيمنتها على القرار المحلي والسياسي، وأصبحت السياسة الخارجية قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة وليس على المجاملات والرضوخ للضغوط. فليس هنالك صديق دائم ولا عدو دائم إذ أن مصلحة الوطن هي من توجه طبيعة العلاقة الخارجية وهي من ترسم أسلوب التعامل مع الآخر.
وفي هذا يقول الأمير (لا يهمني كيف ينظر العالم إليّ بقدر ما يهمني ما يصب في مصلحة البلاد والشعب السعودي، فأي أمر يخدم، الشعب السعودي والسعودية سأفعله بكل قوة وبغض النظر عن الانطباعات التي سيخلقها عني)
وحيث إن الأمير محمد بن سلمان وضع نصب عينيه تقديم مصلحة الوطن والمواطن، فقد حظي بشعبية عارمة بين أبناء شعبه وله عدد كبير من المحبين والمعجبين به في الداخل والخارج وكذا له عدد من الحاقدين الذين هم أعداء الوطن وأعداء النجاح، ولقد ظهرت حملات لإعلاميين مناوئة للأمير كونهم يضيقون ذرعاً بالنجاحات المتوالية ويوجعهم سيادة القرار السياسي لبلادنا ويسوؤهم توالي النجاحات التنموية وتسارع المخطط الإصلاحي 2030 للبلاد على نحو مدهش.
القضاء على الطابور الخامس:
ومن إنجازات الأمير الشجاعة هي القضاء على الطابور الخامس داخل الوطن والمتمثل في التنظيمات الدينية والمنظمات الإرهابية، وبحمد الله لم نسمع منذ فترة بقيام أي عملية إرهابية مسلحة في بلادنا، وما ذلك إلا لأن المنظمات الإرهابية سحقت من جذورها وأن أرباب الفكر الحزبي الإسلاموي المتطرف لم يعد لهم قائمة لا من قريب ولا من بعيد، ولقد كانت تلك المنظمات وقادتها في ماضٍ ما سبق دورٌ في شق اللحمة بين المواطن وبين قيادات الوطن، وبفضل الله ثم بفضل هذا الإجراء الحكيم تضاعفت هيبة الدولة وتضاعف الأمن والأمان واختفى من المشهد ذلك الخطاب الديني المحرض وتلك الرموز الدينية المحرضة على الدولة وعلى قيادتها وأصبحت علاقة المواطن مع قيادات الدولة علاقة نقية وصافية، فلا كدر ولا غبش يمس روح الوطنية.
ارتفاع حس الانتماء الوطني
وبسبب القضاء على الطابور الخامس وفرض هيبة الدولة، ارتفع الحس الوطني للمواطنين وتعزز لديهم روح الانتماء للوطن بشكل يفوق انتماء شعوب البلدان الأخرى لبلدانهم، ولقد ظهر على الفضاء الإعلامي؛ إعلاميون سعوديون أفذاذ مميزون بالثقة وبقوة الحجة وخرجوا على شاشات القنوات العالمية ينافحون عن الوطن وقياداته ويدافعون عن قرارات الدولة السيادية، ويكاد لا تجد برنامجاً تليفزيونياً حوارياً إلا وأن يكون الإعلامي السعودي هو المتسيد على الحوار، وما ذلك إلا لأن الحجة التي يستند عليها نابعة من سياسة الدولة المشرّفة وقراراتها الحكيمة.
ولم يقتصر تسيُد السعوديين وكفاءتهم في الدفاع عن وطنهم والذب عن قيادته على منابر القنوات الفضائية، بل أثبتوا حضورهم المميز في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تجد المواطن السعودي مهما كان، ذكراً أم أنثى، كبيراً أو صغيراً، حاضرٌ في كل وسيلة تواصل اجتماعي ويصطدم مع أي مغرد يأتي في محتوى تغريدته لمز للسعودية أو مس لقياداتها، حتى حدا بكثير من المغردين المعادين للسعودية أن يغيروا أسلوبهم عندما يأتي في تغريدتهم مساس بكرامة السعودية، وما ذلك إلا لعلمه أن الكيل سيرد عليه بمكيالين من قبل السعوديين الغيورين على بلادهم، وهكذا تنامت مشاعر الحمية للوطن وتعالت مشاعر الغيرة الوطنية لدى المواطنين بمختلف فئاتهم، وأصبح كل مواطن سداً منيعاً لكل متربص من أعداء الوطن.
وهذا الشعب السعودي هو الشعب الذي عبر عنه الأمير الملهم عندما سئل من أين تستلهم قوتك؛ وتراهن على تحقيق رؤيتك، قال بكل بساطة «أستلهم قوتي من الشعب السعودي».
الأمير ووالده وجده
يشابه الأمير في صفاته، صفات جده المؤسس عبدالعزيز في كثير من المزايا الخَلقية والخُلقية وكذلك في إنجازاته الإصلاحية مع فارق العصرين، فحيثما حوّل الملك عبدالعزيز بلده من شعب مفكك الروابط ومتعدد الأقاليم إلى رباط موحد، وحيثما نقل الملك عبدالعزيز بلاده من خط الفقر إلى حد الاكتفاء الذاتي، وحيثما حمى الملك عبدالعزيز شعبه من الجهل والأمية ونقلهم إلى التعلم والتحضر، كذا سار الأمير محمد على خطى جده حيث النهوض بشعبه وبلاده إلى قفزة تقدمية في كل المجالات ورفع مستوى النهضة العمرانية والمدنية إلى حيث مصاف الدول العظمى.
من جانب آخر، وكما أن الملك عبدالعزيز حرص على استقطاب مستشارين متميزين في الداخل والخارج كذا كان حرص الأمير محمد بن سلمان على استقطاب الطاقات البشرية في الداخل والخارج وممن تتوفر فيهم صفات التميز الفكري والتنموي والنهضوي وممن حققوا نجاحات فريدة على أرض الواقع، وهذا الاستقطاب بلا شك يمثل أداة فكرية لنقل وتجيير كل منتج ومشروع بديع لصالح الوطن.
من جانب ثالث استلهم الأمير محمد بن سلمان من جده صفة تحييد الفكر المتشدد من المشهد ومحاربته، فبينما قام الملك عبدالعزيز بإقصاء حركة «أخوان من طاعة الله» وتغيب فكرهم المتشدد عن مشهد الدولة، قام الأمير خلال فترة وجيزة بالقضاء على التنظيمات الإرهابية ومثلها الإسلاموية في أرض السعودية والقضاء على أي فكر يعزز لهم من قريب أو من بعيد. وهكذا سارت الدولة مع شعبها تحت قيادة واحدة وموحدة ودون أن يفسد صفاء هذه الوحدة حركات متطرفة تعيق لحمة الدولة بشعبها.
وفي سياق متصل؛ فلقد أخذ الأمير محمد صفة العزم والحزم من والده الملك سلمان إذ كانت نشأة الأمير محمد بن سلمان في كنف والده الملك سلمان بالغ الأثر في صقل كثير من المزايا والصفات والخبرات، وكل الشكر والثناء الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي أخرج لنا قائداً فذاً باسم محمد بن سلمان أذهلت شخصيته كل قيادات الدول العظمى، وهكذا يحق لنا كسعوديين أن نفخر ونفاخر بهذا الزعيم القائد.
وأخيراً
إن ما ذكر هو غيض من فيض وأن هنالك الكثير من الخبايا الإصلاحية ستكشفها قادم الأيام إذ كل يوم نسمع عن مشروع جديد هنا ومبادرة جديدة هنالك. وفي جعبة الأمير الملهم الشيء الكثير والكثير، وعندما سئل عن الخطوة التي تلي 2030 قال: «سيتلوها 2040 ثم 2050 ولن تتوقف، فنحن سائرون في الحراك التنموي والإصلاحي». وفي لقاء عام ظهر على وسائل الإعلام، كان الأمير يحمل في يده جوالين؛ الأول جوال يقوم بالاتصال التلفوني والثاني جوال ذكي متطور ومتعدد التطبيقات، وقال إن الفرق بين بلادنا الآن وما سنهدف له مستقبلاً هو الفرق بين هذا وذاك.