صدر عن معهد الدراسات السياسية بباريس كتاب: الحرب الساخنة: الرهانات الاستراتيجية لتغير المناخ يؤكد الكتاب أن الكوارث الطبيعية هي بسبب الأنشطة البشرية السلبية!
حتى وقت كتابة هذه السطور، لا يمكن لأي متابع أو محلّل للأحداث الجارية على الساحة السياسية الدولية أن يتنبأ بإمكانية اشتعال فتيل حرب بين دولتين بسبب التغير المناخي، لكنه يستطيع بكل سهولة أن يكتب عن آثار الأزمات والكوارث المرتبطة بالتغير المناخي بحسب مستويات تأثيرها على البشر، فمنها ماله تأثير من الناحية البيئية والاقتصادية والاجتماعية والغذائية والصحية، ومنها ماله تأثير من ناحية السياسات الأمنية والدفاعية واستراتيجيات الأمن القومي لكل دولة.
صدر كتاب «الحرب الساخنة» الذي يشتمل على أربعة أبواب لمجموعة من المؤلفين في عام 2022م في حوالي 300 صفحة عن مطبوعات معهد الدراسات السياسية بباريس ، ويتناول إجمالا قضايا متعددة من بينها موازين القوى في القطب الشمالي واستراتيجيات الصراع الدائر حوله وذوبان الجليد وانعدام الأمن المائي وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل وارتفاع درجة حرارة المناطق القارية وتسارع معدل الاحترار في القطب الشمالي. من هذه المنطلقات، يسعى كتاب «الحرب الساخنة» الى وضع توصيف دقيق للتحديات المناخية التي تقف حجر عثرة في طريق منظومتي الدفاع والأمن الدوليين.
الباب الأول بعنوان التأثيرات الاستراتيجية الرئيسية وفيه يستعرض المؤلفون أسباب الاضطرابات المناخية والتغيرات في بيئة العمليات العسكرية واستراتيجية منظومة الطاقة المتكاملة لوزارة الدفاع الفرنسية ومدى التزام هذه الأخيرة بتلبية متطلبات تحقيق التنمية المستدامة والتغيرات الطارئة على الطقس والمناخ حتى عام 2050 وضرورة التنسيق بين جميع الأطراف الفاعلة العامة والخاصة والمدنية والعسكرية مع الأخذ في الاعتبار التحديات الوجودية التي تواجه أفرع القوات المسلحة الفرنسية نتيجة للتغيرات المناخية. يتناول هذه الباب أيضا قضية الأمن المناخي بأبعاده الجيوسياسية والاستراتيجية وتداعيات التغير المناخي على المشهد الاستراتيجي الدولي وكيفية تأثر العمليات العسكرية الدفاعية لكل دولة بارتفاع درجات الحرارة ومدى ارتباط هذه القضايا بأمن الطاقة، وأيضا مدى تكيّف المعدات الدفاعية والبنية التحتية العسكرية مع التغيرات المناخية الطارئة. ولأن التغير المناخي مع ما يصاحب ذلك من تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة يؤثر تأثيرا كبيرا على الأمن القومي لفرنسا وظروف عمل القوات المسلحة الفرنسية، فإن الزيادة المطردة في نسبة المخاطر المرتبطة بالتقلبات الجوية وفي تفاقم الأزمات الصحية والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية تفرض على أفرع القوات المسلحة أن تكيّف أساليب عملياتها العسكرية وفقا لاستراتيجيات عمل محددة.
الباب الثاني بعنوان المناطق المعرضة للخطر وفيه يستعرض المؤلفون التغير المناخي في القطب الشمالي والأهمية الاستراتيجية له ومهام وقدرات جيوش الدول غير القطبية والمنافسة القائمة بين روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول والقطب الشمالي. يتناول الباب الثاني أيضا قضايا تتعلق بالأمن المناخي والمائي في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي مناطق مختلفة أخرى كسوريا والأردن وجنوب شرق آسيا وجنوب المحيط الهادئ. لهذه الأسباب مجتمعة، تحاول فرنسا مع شركائها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» تفادي مخاطر تفاقم التغير المناخي.
وجاء الباب الثالث بعنوان الطاقة والتنمية المستدامة والمفاهيم البيئية وفيه يتناول المؤلفون أوجه التقارب بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في تصديهم للتغير المناخي. نقرأ في هذا الباب عن السياسة البيئية لوزارة الدفاع الفرنسية المعنية بطرح مفاهيم تتعلق بالتنوع البيولوجي وتسهم في الحد من الآثار السلبية للتغير المناخي. يمكن للقارئ من خلال هذا الباب أن يدرك مدى ارتباط المفاهيم البيئية بتاريخ السلام ومكافحة التسلح والرغبة في تقليل اعتماد الدول الصناعية على الطاقة وعلى الوقود الأحفوري والفحم والغاز الروسي.
يأتي الباب الرابع بعنوان الأمن المناخي وفيه يتطرق المؤلفون الى الأطراف الفاعلة الرئيسية على الصعيد الدولي التي تناقش القضايا المتعلقة بالمناخ. يستعرض هذا الباب تأثير التغير المناخي على الوسائل الدفاعية لكل دولة وضرورة تعزيز استراتيجيات التحكم في المناخ والحفاظ عليه.
ختاما، يشير كتاب «الحرب الساخنة» الى أن الكوارث الطبيعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالاحتباس الحراري الناتج عن تأثير الأنشطة البشرية السلبية العرضية والمتعمدة على حد سواء ستكون لها نتائج سيئة على كافة المستويات، كما أنه يشير الى أن الوعي الدولي المتأخر بقضايا الأمن المناخي وما ترتب على ذلك من آثار سلبية بعيدة المدى أدى الى اشتعال حرائق الغابات التي تعتبر شكلا جديدا من أشكال الكوارث ال طبيعية التي تفشت منذ عقد من الزمان بسبب التغير المناخي، وبالنظر الى اتساع نطاق هذه الحرائق الضخمة في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وأستراليا وفي مناطق أخرى من أوروبا، فقد ازدادت الخسائر الفادحة على المستوى البشري والاقتصادي والبيئي.
** **
أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري